مشروع نصر قريب -1- الإخلاص

الثورة لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا:

الإخلاص لغة: تنقية الشيء وتهذيبه،

وحتى يكون عملك خالصا يجب أن يكون واضح الهدف

دائما تذكر هدفك و إياك أن تغفل عنه. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رواه البخاري. و هو أول ما يجب على كل واحد منا استحضاره و تذكره دائما: إخلاص النية لله عز وجل. فأحدنا قد يذهب ولا يعود من أول يوم؛ حينها إما أن يكون إلى جنات عرضها السموات والأرض و إما لا سمح الله أن يرائي الله به أو يُسمِع.

وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون في حالات القتال بالإخلاص لله سبحانه. روى البخاري وغيره: شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "{مَنْ يُرَائِي، يُرَائِي اللَّهُ بِهِ. وَ} مَنْ سَمَّعَ، سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ (فضحه الله على رؤوس الأشهاد) يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: "وَمَنْ يُشَاقِقْ (يدخل العنت والصعوبة على نفسه ومن حوله)، يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ (يجعل الله حسابه شاقا صعبا مرهقا) يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ. فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا، فَلْيَفْعَلْ. وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ، فَلْيَفْعَلْ". وأخص بالتذكير هنا نفسي وكل من رضي لنفسه أن يكون في مكان قيادي أن دماء المسلمين في رقبته يوم القيامة سيسأل عنها. فلا تُعَرِّضُه أمراض نفسه من كرهه لفلان أو إعجاب بنفسه أن يعمل وحيدا فيكون والغا في دماء المسلمين من أهل جهنم وهو يظن نفسه ممن يحسن صنعا.

و إذا كان الرسول صلى الله عليه وإخوانه وآله وسلم قد حذرنا من تعلم العلم لغير الله وتوعد من فعل ذلك بالنار والعياذ بالله فكيف بمن يقود عملا تسيل فيه دماء الناس قتاليا كان أو سياسيا لغير وجه الله؟ عَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ رض عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ". حديث صحيح لغيره رواه ابن ماجه و غيره. أفلا يتنبه المسلم أن شغله لمنصب أو مكتب ليس مؤهلا له أنه يساهم في إزهاق أرواح الناس وإطالة أمد المعاناة؟

فكل قطرة دم تسيل من أحد في الطرفين هي في رقبة من تسلم القيادة وتصدر لرعاية الناس. فإن كان مؤهلا مخلصا أخذ الأجر. وإن كان غير مؤهل ومع ذلك يتمسك بمكانه أصبح متصدرا لقتل الناس وإيذاءهم؛ يتحمل مسؤولية كل شهيد يراق دمه وكل حرة تغتصب وكل جريح يعاق وكل جائع يجوع وكل بيت يهدم. و نحن أحيانا نقع في مصائب كبيرة دون انتباه أو قصد لذلك سنستعرض بعضها هنا من باب التذكير {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]. أولها:

 

فقدان العمل المؤسسي:

يضحك أكثرنا على نفسه فينادي بالعمل المؤسسي الجماعي لكنه لا يعمل في الواقع إلا بكل فردية ودكتاتورية ولا يجد إلا أولاده للعمل معه! مع أن الله سبحانه يقول: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 36]. أي قاتلوهم جميعا كما يقاتلونكم. فيجمع المسلم حوله الجميع. ولا يكون جميعا إلا إذا قابل المتخصص السياسي من العدو بالسياسي من عندنا وقابل عسكرييهم عسكريونا ومخططيهم مخططونا وإعلامييهم إعلاميونا.

من هنا ومن شدة أهمية هذه القضية طورنا طريقة يختبر كل شخص إخلاصه بنفسه فيسأل نفسه كالتالي: هل أمتلك خطة وأستطيع تشغل الناس معي؟ إن كان كذلك فنحن معك وطوع أمرك. أما إن كنت لا تمتلك خطة فاسمح لنا أن نستفيد من طاقاتك في صناعة نصر ثورتك. أخيرا إن كنت لا تمتلك خطة ولا تستطيع تشغيلنا كما لا تسمح لنا بتشغيلك فهل ترى أن نيتك خالصة لله؟ وليتذكر أحدنا دائما أن اللاعب العادي في الفريق القوي ينتصر ويحصل على الكأس. أما اللاعب القوي في الفريق الضعيف لا يجني إلا الخسارة تلو الخسارة.

تحول الوسيلة إلى غاية:

يسقط أغلب المتدينون وخير من فينا عادة بهذه السقطة الكبيرة العظيمة ولا يتنبهون. بل أغلبهم يظن نفسه محسنا وهو يقع فيها. فهو يظلم ويخون الأمانة ويظن أنه يفعل ذلك في سبيل الله! فالمسكين تربى وتنشأ في كنف حركة إسلامية أو جماعة ربته أن وجوده فيها وعمله من أجلها إنما هو في سبيل الله. وهو كذلك ما لم تتحول الوسيلة إلى غاية. أي ما لم تتحول الحركة أو الحزب أو الجماعة إلى يصبحوا هم الإسلام! ويصبح الإسلام أو المسلم يطوع لخدمة التنظيم أو الجماعة أو الحزب!

و تطبيقات تحول الوسيلة إلى غاية تزيد الموضوع وضوحا؛ فمنها أن أحب شخصا لا أعرفه بكثير فضائل لكنه من جماعتي أو حزبي أو مدرستي الفكرية أحبه أكثر مما أحب مسلما ليس من مدرستي لكنه فاضل عامل في سبيل الله فيما أراه. و من أمثلتها أن أقدم إلى شغل مكتب أو منصب شخصا من حزبي مع أني أعرف عدم أهليته وأعلم وجود غيره ممن ليس من حزبي أنه أكثر أهلية لشغل ذالك المنصب أو المكتب. وآخر أمثلتها لكي لا نطيل أن يتمادى أصحاب التنظيم فيكفروا من ليس معهم فيه كما يقع اليوم من أتباع تنظيم ما يسمى "داعش".

 

التصدر و حب الظهور:

لعل أبرز مصائب المسلمين اليوم هي حرص كل واحد منا على التصدر والظهور. والحرص على المال والتباخل. وهي كلها قبائح نبه لها إسلامنا بمنتهى الصراحة والوضوح ونحن هنا نذكِّر؛ ففي صحيح الحديث عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا، مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ، لِدِينِهِ". رواه الترمذي و غيره. حتى بلغ من حرصنا على الشرف والتصدر أن فقد أحدنا رؤية خير في غير نفسه.

وبلغ من حرصنا على الشرف والظهور أن صار أحدنا لا يذكر خيرا إلا عن نفسه أو حزبه. حتى سقطنا للأسف فيما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله منه. ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الحسن لغيرة، قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَوَّذُوا {بِاللهِ} مِنْ ثَلَاثٍ الفَوَاقَر: {تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ مُجَاوِرَةِ جَارِ السَوْء. إِنْ رَأَى خَيْرًا دفنه، وَإِنْ رَأَى شَرًّا أَذَاعَهُ. وَ{تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ زَوْجَةِ سَوْءٍ. إِنْ دَخَلْتَ عَلَيْهَا {أَلْسَنَتْكَ}، وَإِنْ غِبْتَ {عَنْهَا} خَانَتْكَ. وَ{تَعَوَّذُوا بِاللهِ} مِنْ إِمَامِ سَوْءٍ. إِنْ أَحْسَنْتَ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ أَسَأْتَ لَمْ يَغْفِرْ". رواه البيهقي.

و سقطنا بسبب هذه الشهوة بالمصائب الثلاث التي لا يخشى رسولنا صلى الله عليه و سلم علينا غيرها! فقد ثبت عنه فيما يرويه الطبراني أنه قال: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال: 1- أن يكثر لهم من المال فيتحاسدون فيقتتلوا! 2- وأن يفتح لهم الكتب {فيأخذه} المؤمن {والفاجر والمنافق}، يبتغي تأويله. [و{ما} يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب]. 3- وأن يروا ذا علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه".

 

النصح لمن تحت قيادته:

أخيرا ينسى المتصدر شاغل المكتب أو المنصب المسؤولية التي تقع عليه! و ينسى أنه إن لم ينصح لمن هم تحت قيادته كما ينصح لنفسه وأهل بيته فلن يشم ريح الجنة! عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرئ ولي من أمر الناس شيئا، ثم لم يحطهم بما يحوط به نفسه وأهله، لم يرح ريح الجنة". حسن لغيره رواه الطبراني. فمهما كان المنصب أو المكتب صغيرا أو حقيرا "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ. وَسَتَكُونُ نَدَامَةً {وَحَسْرَةً} يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" أي فنعمت حياتهم وبئس موتهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين