مجزرة نهر الشهداء

في صباح شتوي غير عادي في يوم 29/1/2013، وأصوات القصف والقنابل تملأ الفضاء في مدينة حلب السورية الثائرة. اندفع عدد من الأطفال إلى أهالهم في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، يخبرونهم أن نهر قويق قد حمل عشرات الجثث لأطفال ونساء وشيوخ، وقد تناثرت الجثث على جوانب النهر في منطقة بستان القصر.

 

خرج الناس لرؤية مشهد من أقسى مشاهد الثورة السورية حيث كانت القوات التابعة للأسد قد قامت بتنفيذ إعدامات بعشرات المدنيين ورميهم في أعلى النهر لتصل إلى مناطق الثوار طافية على مياهه المختلطة بدمائهم، وكانت أجساد عشرات الشهداء كرسالة ترهيبية لأهلهم أننا سنستمر بقتل أبناءكم حتى ترجعوا عن تأييد الثورة.

 

قام المعهد السوري للعدالة بانتشال تسعين جثة في اليوم الأول فقط، وتنظيفها من الطين والأوساخ ووضعها في مدرسة اليرموك، حتى يتم التعرف عليها من أهاليهم الذين جاؤوا لرؤية أحبائهم أجسادا قد فجرت رؤوسها بطلقات البنادق، وهم مربوطي الأيدي ومعصوبي العيون، وبعضهم ما زال يلبس ملابسه الكاملة وحذاءه ويضع خاتم الزواج في يده، وكثير منهم ما تزال الدماء تنزف من رأسه، مما يدل أنه قد تم اقتياده من حواجز القوات التابعة للأسد وإعدامه ميدانيا ورميه في النهر خلال ساعات قليلة. كما تم توثيق حالات تعذيب وحشي على بعض الجثث التي وصلت مع النهر وغالبا ما تم ذلك في المعتقلات، كما وثق المعهد آثار اغتصاب وتعذيب قبل القتل على أجساد خمس نساء من الضحايا.

 

لقد استمرت المجزرة وتدفق الجثث 45 يوما من يوم 29/1/2013 ووصلت آخر الجثث في يوم 14/3/2013 ، وكان قد ظهر خلال هذه الأيام الرهيبة 220 ضحية معدومين بشكل غير إنساني، وتم إلقائهم بعدها في نهر قويق ليحملهم إلى أهلهم في مناطق الثوار.

 

ونعرض عليكم اليوم تقريرا تم كتابته عن المجزرة ويتألف من 200 صفحة من الأدلة المادية والصور والأفلام، وذلك في ذكرى مرور سنة على ذكرى بداية هذه المجزرة الرهيبة والتي سميناه تقرير: " النهر إن حكى"

 

ولقد تم في التقرير توثيق صور الشهداء وأسماءهم (بعضهم ظل مجهولا) وتقارير عن طريقة وفاتهم من قبل الطبيب الشرعي وخبير الأدلة الجنائية التابعين للمعهد السوري للعدالة، وشمل العمل الجانب الإنساني أيضا حيث قام المختصون بغسل الجثث ودفنها بعد أخذ صور وعينات من الشعر للجثث المجهولة الهوية، كما قام الفريق بترقيم القبور بما يتوافق مع رقم صور الضحايا، ويتسم التقرير بالحرفية والمهنية المطابقة للمقاييس الدولية اللازمة لإثبات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

 

لقد تواصلت جهود المعهد السوري للعدالة في كشف خيوط هذه المجزرة الدولية، ووثقوا شهادات مع أهالي الضحايا، ووثق أكثر من خمسين إفادة حول مكان وتاريخ فقدان أو اعتقال الضحية، وأسباب الاعتقال والجهة المسؤولة عنه.

 

كما ألقى الجيش الحر التابع للثوار القبض على بعض من شارك في تنفيذ هذه المجزرة الرهيبة وقاموا بتوثيق شهادتهم ومطابقة أقوالهم، مع الاستعانة بخبراء الهندسة المائية لمعرفة كيف تقوم مياه النهر بحمل جثث الضحايا. ووجدوا أن نظام الأسد يقوم برمي الجثث ثم يفتح المياه المخزنة سابقا لتحمل الجثث لعدة كيلومترات فتصل إلى الأراضي التي يسيطر عليها الثوار.

 

وفي محاولة لإيقاف طريقة إلقاء الجثث هذه التي تقوم بها قوات الأسد، تم إغلاق تغذية مجرى النهر بتاريخ 9/3/2013 من منطقة سد الشهباء في ريف حلب الشمالي. وفعلا خلال أيام انخفضت مياه النهر وتوقف وصول الجثث.

 

ولكن من المؤكد أن مجازر القوات التابعة للأسد لم تتوقف، واستمرت بطرق أخرى ويحاول المعهد السوري للعدالة توثيق المجازر الجديدة.

 

خلاصة التقرير

وثق المعهد السوري للعدالة بعد التحليل الجنائي لكافة الأدلة وتقاطعها مع الوقائع المادية، أن جهازيّ المخابرات العسكرية والمخابرات الجويّة إضافةً إلى ميليشيات موالية للحكومة السورية، والتي تتحكم في الحواجز الأمنية في مدينة حلب, كانت مسؤولة بشكل مباشر عن اعتقال وتعذيب المدنيين السوريّين على خلفية انتمائهم لمناطق حاضنة للثورة السورية في مدينة حلب, وتقوم هذه الجهات بتعذيب المدنيين بشكل ممنهج وإعدامهم ميدانيا خارج القانون وإلقاء جثثهم في نهر قويق للتخلّص منها, بطريقة مدروسة ومنظمة.

 

وكانت دوافعهم الأساسية إرهاب السكان المدنيين في أحياء مدينة حلب وريفها، كما لم تخلُ هذه الجرائم من الدوافع الطائفية بقصد الانتقام والإرهاب.

 

إن الجرائم المرتكبة قد توفرت فيها كافة أركان الجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وذلك وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي.

 

وندعوا كل الصحفيين والجهات الحقوقية في العالم لنشر تقارير هذه المجزرة الرهيبة، وفضح هذا النظام الإجرامي الذي قام بها، وذلك حتى يتم ملاحقته في كل المحافل والمحاكم الدولية حتى لا تضيع دماء الأبرياء، ويكون للعدالة يد تطال كل المجرمين المنتهكين للقيم العالمية في الحق والعدل.

 

المعهد السوري للعدالة ومنظمة لا سلام بلا عدالة تتشرفان بالإعلان عن انطلاق تقرير  " النهر إن حكى "  والذي  يلخص الدليل الموسع المتعلق بمجزرة نهر قويق, والتي جرت أحداثها في مدينة حلب - شمالي سورية.

 

سيقوم المعهد السوري للعدالة ومنظمة لا سلام بلا عدالة بإطلاق فعاّليات هذا المؤتمر في اسطنبول بتاريخ 29 كانون الأول /يناير 2014  والتي تمثل الذكرى السنوية لاكتشاف المجزرة. وهذا الحدث سيعقد في تمام الساعة 11:30  صباحاً في فندق نوفوتل اسطنبول

 

لمزيد من المعلومات حول التقرير، الرجاء الاتصال بالسيد هادي الخطيب أو جاكومو كازكونا على العنوان التالي:

 

 (Tel. 0090 (0) 537 46 42 633 - [email protected])

 

 (Tel. 0090 (0) 538 44 66 240 – [email protected])

والله أكبر

حلب لن تنسى أولادها وحلب دفعت الثمن كاملا للحرية

مثلها مثل كل الشعب السوري الحر

ولذلك لا يمكن أن يتزعزع يقيننا للحظة أن النصر والعدل والقصاص قادم لا محالة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين