يحبهم ويحبونه...قوامين بالقسط

 

 

قال تعالى مخاطبا عباده المؤمنين ومناديا لهم بنداء الإيمان المحبب: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا] {النساء:135} 

 

والقوام بالقسط: هو القائم بالقسط في كل حال دون إخلال به. 

والْقِسْطُ: هو النّصيب بالعدل. وقسَط الرجل إذا ظلَم وأخذ حق غيره، وأقسط إذا أعطى الحق من نفسه لغيره، ولا يكون مقسطاً إلا بذلك، فإذا كان قائما بالقسط ولو على نفسه كان قيامه به على غيره من باب الأولى. فالْإِقْسَاطُ: أن يعطي قِسْط غيره، وذلك هو الإنصاف والعدل الذي أمر الله به: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ] {النحل:90}  وبه قامت السماوات والأرض.

ولقد أحب الله عباده المقسطين فقال: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الممتحنة:8} وكيف لا يحبهم وهو الذي أمر المؤمنين بالقيام بالقسط والحكم به فقال: [قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالقِسْطِ] {الأعراف:29} وذلك أمر مطلق لا يقيده زمان ولا مكان ولا إنسان، حتى مع غير المسلمين [لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ] {الممتحنة:8}  وحتى مع الضعفاء الذين يغري ضعفهم بظلمهم: [وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالقِسْطِ] {النساء:127}.

و القيام بالقسط وصف ثابت للّه تعالى، قال تعالى لما شهد الله لنفسه بالوحدانية: [شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {آل عمران:18}.

وحين وصف حكمه تعالى وصفه بالقسط فقال: [وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {يونس:54}.

وحين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم  أن يحكم أمره أن يحكم بالقسط مع ألد أعدائه من اليهود فضلا عن غيرهم فقال: [وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ] {المائدة:42}.

وأرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لإقامة القسط:[لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ] {الحديد:25}.

فالمسلم حينما يقوم بالعدل إنما يقوم به لأنه إنما يتعامل مع اللّه في هذا الشأن وإنما يقوم بالقسط للّه. فإذا ظلم الناس وإذا خانوا، وإذا انحرفوا، فالعدل فوق التأثر بكل ما يصدر منهم؛ فهو بالنسبة للمؤمن قيمة مطلقة لا تقبل التنازل ولا التحايل، لأنه ليس عدلا لتحقيق رضا الناس وأهوائهم وإنما هو للّه،... وهذا هو الضمان الأكيد في شرع الإسلام وقضاء الإسلام، في كل مكان وفي كل زمان. وهو سبب الحصول على محبة الله تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ?.  أي: العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات، التي تولوها، حتى إنه، قد يدخل في ذلك عدل الرجل في أهله، وعياله، في أدائه حقوقهم، وفي الحديث الصحيح: "الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ، وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا".

وحين يختلف العاملون في الميدان أو يختصمون تدعوهم نفسهم الأمارة ويسعى الشيطان بالتحريش بينهم ليظلموا غيرهم، وعندها يتجلى مبدأ القسط وأخلاق المقسطين الذين استجابوا لقول الله تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {المائدة:8}. اللهم اجعلنا منهم يا كريم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين