اللغو في الأقوال - أحاديث الناس في مجالسهم

اللَّغْو في الأقوال

للشيخ ناجي الطنطاوي

 

لا تخلو أحاديث الناس اليوم في مجتمعاتهم ومنتدياتهم وسهراتهم من الأحاديث الفارغة والأقوال الساقطة التي تدور على ألسنتهم من غير فائدة ترجى منها، يقصدون بها قطع الوقت لمجرد الكلام فقط، مع أن العاقل لا يتحدث إلا بما ينفعه ولا يحضر إلى المجالس التي تزيده علماً وتكسبه نفعاً سواءً في أمور الدين أو في مصالح الدنيا، والمؤمن مأمورٌ بترك اللغو، وهو الساقط من القول ، والذي ينطق به اللسان من غير تفكير ولا رويَّة، وهو كلامٌ لا خير فيه لأن الإنسان يتكلم لجلب منفعةٍ أو لدفع مضرةٍ فإذا خلا عنهما كان عبثاً لا طائل تحته. وقد وصف الله سبحانه عابده المؤمنين بقوله:,

(والذين هم عن اللغو معرضون)المؤمنون3

وقال أيضاً: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه )القصص 55

فربّما كان اللغو وبالاً على صاحبه لأنه لا يخلو من ألفاظٍ قبيحةٍ وكلماتٍ سيئة قد تتضمَّن شيئاً من الغيبة والكذب والبذاءة والفحش.

والمؤمن لا تكون أعماله عبثاً ، ولا تكون تصرُّفاته لهواً ولعباً ، ولا تكون ألفاظه لغواً ولا كلاماً مبتذلاً، ولا يترك أوقاته تذهب هدراً من غير أن يستفيد منها، بل تراه هادئاً ساكتاً لا يتكلم إلا فيما ينفع ويفيد ، ولا يفكر إلا في مصلحته ومصالح المسلمين، وقد ورد في الأثر: من حُسب كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه، يعني : أن ما ينطق به اللسان معدودٌ من عمل المؤمن ويكتب ما ينطق به في صفحة حسناته أو صفحة سيئاته ، لذا فهو يقل من كلامه خوفاً من أن ينطق باللغو.

وقد ذكر الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ من آفات اللسان: أن تتكلم فيما لا يعنيك، وأن يكون كلامك زيادةً عن الحاجة ، قال تعالى :(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)

  وأن تخوض في الباطل، كالتحدث عن النساء أو مجالس الغناء أو أخبار الفاسقين والملحدين، وأن تنطق بألفاظ الفحش والبذاءة ، أو الغناء الذي فيه منكرٌ أو السخرية والاستهزاء والتحقير ونشر العيوب والنقائص بقصد إضحاك الجالسين ، أو المجادلة في الباطل. واللسان يورد صاحبه موارد العطب، ومن حفظ لسانه أراح نفسه .

يروى عن مالك بن أنس ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال :«كل شيءٍ ينتفع بفضله ـ أي: بزيادته ـ إلا الكلام ، فإن فضله يضر» ، وقال الفضيل بن عياض : شيئان يقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل، وقال أبو الدرداء : كفى بك ظالماً ألا تزال مخاصماً، وكفى بك آثماً ألا تزال ممارياً  ـ يعني مجادلاً بالباطل ـ وكفى بك كاذباً ألا تزال محدثاً إلا حديثاً في الله تبارك وتعالى .

ونختم حديثنا بأن ننصح الناس أن يختاروا الموضوعات النافعة عندما يتحدثون في مجالسهم ، فمن كان يحفظ قصةً طريفةً ذات مغزىً، أو خبراً من أخبار التاريخ ، أو رأياً من الآراء العلمية أو الأدبية التي تصلح موضوعاً للنقاش الهادئ المفيد فليذكر ذلك في المجلس، وإن كان لا يحسن من ذلك شيئاً كان السكوت خيراً له.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين