سأخبرك : متى سيرحلون - إلى خنق السياسة الظالمة ....
اعتاد أكثرنا على النظر إلى الأمور من خلال ظواهرها ، وقلة تنظر إلى الجذور العميقة لما يحيط بنا!
أمة الألف مليون نائمة رغم ألف جرح غائر فيها! والعربان ملئوا شوارعنا بمواكب الفرح انتصاراً لإبداعات أقدام فرق الكرة ، والتي – بتوفيق من الله- حُرمنا التوفيق حتى فيها خشية أن نظن أن سبق الأرجل يقوم مقام سبق العقول والأدمغة.
في كل ناحية من أرض الإسلام مناحة ومأتم ومحتل وغاصب ومعتد ، وثقافات غازية ونهب لخيرات الأمة ، وطحن لأي برعم إسلام يريد أن يتفتح! واختطاف بالجملة لوزراء ونواب في حكومة تتحدث عن منهج إسلامي ، والابتسامة العذبة البلهاء لا تغيب عن وجوه بعضنا فهي صدقة (حتى في وجه باغ ولص وظالم كما أظن أن البعض يعتقدون).
الأنظمة العربية الظافرة رغم عريها المرعب مازالت تقدم نفسها حامية وراعية وبانية للنهضة العصماء ، والحاكم المؤله نفسه في كل زمان ومكان تتجدد حياته بلا انتهاء! فمتى الخلاص؟
ليست هذه الكلمة الشهرية مقالة سياسية وإن بدت افتتاحيتها كذلك! بل هي دعوة إلى خنق السياسة الظالمة ، وترك الساحة للحكام الأماجد كي يتابعوا المسيرة الخضراء بعد أن مشوا على ألف طريق أحمر روته دمائنا ، وارتصت فيه جماجمنا ، وما تركوا فيه شيئاً له حرمة إلا ولغوا فيه ولوغاً لايطهره سبعة آلاف ألف غسلة كلهن بالتراب!
لاتهمنا التفصيلات بل الجذور والأسباب العميقة لكل بلاء ومصيبة أحاطت وتحيط بالأمة!
لقد محا الحكام الظالمون التاريخ فلم يجعلوا الأجيال الجديدة ترى إلا تاريخهم الهزيل ، بل محوا تاريخ العالم كله عندما أوهموا شعوبهم المسكينة أن ما خطوه من درب هو النصر المبين (بعد ثلاثة أيام من دمار هيروشيما عاد الترام ليؤدي عمله في المدينة ، ومحطة المترويات في موسكو لم تنقطع فيها الكهرباء قط منذ افتتحت ، حتى أن سكان موسكو كانوا يحتمون بها أثناء الحرب العالمية الثانية ، وطاغوت العالم بوش أوقفته المحكمة العليا عن إنشاء محاكم عسكرية استثنائية لمعتقلي غوانتنامو ... قارن أمثال ذلك مع ماتبثه بعض الفضائيات من زهو عظيم بنفق متواضع افتتحه مولانا ، وبركة ماء تطهر بها ، ودريهمات تافهة مَنَّ بها على الرعية ، وهي ممتصة من دمائهم وجوعهم وعرقهم ودموع أطفالهم ، وقد نهب مقابلها أضعاف أضعافها .... وعن المحاكم الاستثنائية في بلاد العرب .... وغير ذلك كثير).
محو التاريخ من أكبر الجرائم ، وقد شاركت فيه أجهزة إعلام وتربية وثقافة بل ويا للأسف عمائم منافقة سيخزيها الله في الدنيا قبل الآخرة ، عندما قبلت تطويع منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمآرب الحكام وجعلته تسبيحاً بحمدهم وتمريراً لباطلهم ، وتدليساً وكذباً على الله ، وعلى الناس (ومن باب الطرفة فقد نقل أن أحد العامة قد نبه خطيباً دجالاً ألقى كلمة مليئة بالنفاق من فوق المنبر، إلى أن الكعبة المشرفة قد بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وليست من منجزات مولانا السلطان رغم هباته السنية للمواطنين المساكين).
ولكن من قال أن التاريخ يمكن دفنه ، ومن قال أنه لا تمكن استعادته ووعيه ... ومن قال أن الحق يمكن أن يخنق؟
إن المنهج الحق يحمل عوامل التجدد من داخله ، وتكفيك وقفة واحدة عند ما ورد في سورة الزخرف- الآية 54: من قوله تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
والمعنى كما جاء في القرطبي: فاستجهل قومه ، فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم! وفي ابن كثير: أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له.
إن الأمة الراشدة لايستخف طاغوت بعقول أبنائها ، وبسهوله يمكن لها استرجاع محددات طريقها ، وتلك الآية معلم في ذلك ، فإن أردنا الزيادة من الاتعاظ ، فاستدعاء التاريخ يسير ، ومن ذلك ماكتبه الدكتور أسعد حومد رحمه الله عن محنة العرب في الأندلس (مما سقناه في مناسبات عديدة لأهميته) ؛ فأوجز في سطور آخر كتابه سبب المأساة ، وتركها كلمات حقٍ لطلاب الفقه والوعي في الزمن الذين يراد للأمة فيه أن تتبلد ، ويجب أن نعي بعمق ماكتبه ، كي لايكرر الظالمون قصة الأندلس الحزينة.
يقول الدكتور حومد موضحاً أسباب الهزائم المرة والسقوط الفاجع المريع : (وتولى الحكام المسلمون مباشرة الاضطهاد لمنع استيقاظ روح الإسلام في الصدور ، وقد فضلوا الاستخذاء أمام الإسبان ، والتنازل لهم عن الحصون والقلاع ، وتسليمهم الأرض الإسلامية قطعة قطعة ، ليحولوها إلى النصرانية ، وليقضوا على الإسلام والمسلمين فيها قضاءً تاماً ، على أن يتنازلوا هم عن شيء من أنانياتهم ، وأن يتناسوا أحقادهم على إخوانهم ، وأن يوحدوا كلمتهم مع الحكام الآخرين لمواجهة المخاطر التي يمثلها الإسبان في الشمال ، فقد كان ضياع الأندلس وأهلها أهون عليهم من أن يتخلوا عن كراسي الحكم ، أو يقللوا من بذخهم وإنفاقهم على ملاذهم ومباذلهم ، وهكذا استمر هؤلاء الحكام في غيهم وطغيانهم على الشعوب ، حتى دهمتهم الأحداث فتركوا كل شيء للأسبان ، وانسحبوا إلى أرض بعيدة يتابعون عيشهم الرغيد بما نهبوه من أموال الشعوب ، وتركوا شعوبهم لمصيرها أمام الاحتلال الاسباني ، وهكذا تسارع بنيان الأندلس العظيمة إلى الانهيار!

لقد أقام الإسلام دولة العرب حينما وحد الإسلام كلمتهم ، وهذب نفوسهم ، ونفاها من أدران الفرقة والضلالة والجهالة ، وجعل لهم هدفاً سامياً يسعون إلى تحقيقه ، ويموتون في سبيله . ألا وهو نشر دين الله في الأرض ، وإقامة دولة العدالة في والمساواة وسيادة القانون والإخاء الإنساني.

وعد الحكام المسلمون في الأندلس في الأندلس في أواخر أيامهم الإسلام عدواً خطيراً لهم يهدد وجودهم بالفناء ، ويقضي على مباذلهم ومفاسدهم ، فحاربوه وأهله وضيقوا على أهله ، وأخرسوا ألسنة المؤمنين التي كانت تطالب بتصحيح المسار ، وتقويم الاعوجاج ، وانهارت دولتهم ، ولم يجدوا حولهم من يمد إليهم يد العون في محنتهم ، فقد كان أهل النجدة والشهامة والإيمان المخلص غائبين عن هذه النهاية المؤلمة ، ولم يكن للمغامرين والمنتفعين وزعانف الناس الذين استند إليهم الحكام قضية يدافعون عنها ، فقد كانوا طلاب منافع ، وأرباب مصالح خسيسة ، حصلوا عليها فلم يعد لهم مايموتون من أجله وفي سبيل الدفاع عنه.

لقد نسي حكام الأندلس في أواخر أيامهم الله فأنساهم أنفسهم ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ا.هـ

لقد شبعت الأرض من دماء حماة الإسلام ، وضجت سجون بلاد العرب والمسلمين من أنينهم ، كفى الطمس والتشويه والظلم والاعتداء ، وكفى التغييب للأمة وتزوير هويتها ومحق رايتها!
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) . وإذا فسرها القرطبي بأن فرعون استجهل قومه ، فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم! وابن كثير: بأنه استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له.
فالمؤدى من وراء ذلك أن الأمر عند الأمة ، وليس عند الحكام! فالأمة الراشدة لا تعطي قيادها لظالم ، ولا تستجيب إلى ضلالة يطرحها ....
من أكبر الضلالات التي نعطيها نفيس أوقاتنا التفاعل مع مايطرحه أي فرعون ، وعندما تلجئ سنة ربانية طاغوتاً على الانحناء تأتي خفة العقول لتعيد برمجة أدمغتنا ليس لصالح فرعون الأول ، فقد انتهى ، ولكن لصالح فرعون القادم بعده.
عديدون يشعرون بالحزن لما آل إليه مصير الأمة في العراق ، وحق لهم أن يحزنوا ، وظهر في سورية عالم فاضل قال للناس قبل سقوط بغداد أن النظام اليوم غير النظام بالأمس ، وحزب البعث اليوم غير حزب البعث بالأمس ، وأن كل منتسب إلى ذلك الحزب فمن شروط قبوله أن يكون حافظاً لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم! ، ودارساً لمتن في الفقه!! بهذه البساطة وتلك السذاجة! وسقطت بغداد بعد أن خيَّم الظلمُ على أهل العراق ، وانفرد طاغوتها بالحكم ، وأخرس ألسنة الناس سنة وشيعة وعرباً وأكراداً .... ثم حصلت النتيجة الحتمية لكل نظام مستبد!
وتضخمت الوطنية عند البعض ، ورأوا ماحصل من دخول المحتلين الفجرة ، وحصول الفوضى والاضطراب ، فحاولوا إيهام الناس أن زوال النظام السابق هو سبب الاحتلال والفوضى والقتل والدماء! وهذا كذب صراح ، فكل نظام طاغوتي يعمد إلى تفريغ الأمة ، وإزاحة رجالاتها الصادقين ، ومحوهم من الوجود ، مثلما فعل الأمراء الأندلسيون الفجرة ، وبعدها يقدم الطغيان نفسه لا عبر شخص معين ، بل عبر فكرة مؤداها : لا يمكن لكم أن تعيشوا دون طغيان ، وتحت ظالم يرعاكم ، واستبداد يغشاكم! فبصدقون ذلك المنطق لما يرونه من بعد زوال الطاغوت الأول من استباحة للحرمات والأموال والدماء والأوطان ، وماعلموا أن الأول هو الذي أحضر الثاني من دون خلاف!
قال لي أحد الأفاضل: كان ميشيل عفلق يحمل راية ضلال طوال حياته فلما مات زعم الرفاق أنه مات مسلماً! ، فكيف يجوز أن يحمل الإنسان طيلة حياته راية ضلال يقاتل من أجلها ، ويتحمل الأذى والسجون والنفي ، حتى إذا صار مسلماً دب إلى درب الإسلام دبيب صرصار جبان جاهز للمحق بأي حذاء يعترضه.
إن توبة السر بالسر ، والعلن بالعلن ، ومن كان جباراً في الجاهلية فلا نقبل منه الخور في الإسلام! وهل ذلك الكلام يخاطب به العوام المساكين الذين يتحملون من الوعاظ الأثقال ، ويعفى منها ذوي السلطان والطغيان.
ماذا بقي لفلان من مكانة أو أنفاس حتى يتوارى بالإسلام الذي يزعم بعضهم أنه يعمل من أجله ، ولماذا لايقول في المحكمة مخاطباً من عبدوه ربع قرن : لقد كنت على خطأ في المنهج ولا ملاذ للأمة إلا في الإسلام. إننا لا نريده أن يسب الرفاق البعثيين ، ولا ينبش ما أجرمت أنظمته (من باب تأليف القلوب لا أقل ولا أكثر ، لعلهم يرجعون!) ولكن كفى ضحكاً على الأمة وتغييراً لفيروسات الاستبداد والظلم ، لتبقى في مورثاتنا مهما حاولنا إيقافها ، وذلك لشدة مكرها وقابليتها على إعادة التشكل والاختراق!
نرفض الاحتلال أميركياً أم غيره ، ومقاومة أي احتلال لأرض مسلمة فريضة في عنق كل مسلم ، وليس من وراء الاحتلال خير ولا نهوض ولا استقرار لا في قريب ولا بعيد ، وما يأتي بالاحتلال من الشر فشيء لا تحيط به الكلمات ، ولكن بين كل طاغوتين ارتباط عجيب محكم ، لابراءة فيه لأحدهما .
نريد إسلاماً صافياً لا تشوبه أمركة ولا تبعيث .
نريد إسلاماً بريئاً من ضعف القرون ، وفتاوى علماء السلاطين ، وقوانين الحكم الفردي الجائر .
نريد إسلاماً لا استعانة فيه بطرف خارجي ، ولا بفرنجة هذا الزمان لأنه ما من شيء دون ثمن ، وثمن الاستعانة باهظ جداً ! ولا بد أن يدفع اضعافاً مضاعفة.
والله إننا نتوق إلى الحرية ، ونعاف الظلم ، ومانعيشه من إجحاف وظلم وفساد وسيطرة جائرة على مساجدنا ومؤسساتنا الدينية لا يعلمه إلا الله! وما حصل من تخريب النفوس ، وقتل الأرواح ، وتعطيل الطاقات ، فضلاً عمن قتل أو سجن أوشرد شيء لاتقوم بحمله السطور ، وبعد كل ذلك فإننا لن نمد أيدينا لنقول لأي ظالم يطرح نفسه منقذاً : أنت المنقذ والأمل! حاشا لله وإلا شككنا بسلامة اعتقادنا ...إلا أن يعلن ذلك الظالم على الملأ أنه كان على منهج ضلال ، وقد تاب وأناب ، وتبرأ من سابق منهجه ، ويدخل البيوت من أبوابها ، وقد صبرنا على الظلم الطويل من أجل هذه الأمة وقد اقترب الفجر ... ولن نضيعه بالهرب من الظلم إلى أحضان ظالم ماكر ، أومحتل خبيث حاقد يرى الناس كل يوم أفعاله .. فمزيداً من الصبر ...
لعل بعض أفاضل الإسلاميين يقولون أن هناك قوى كبرى ولا بد من إدخالها في الحساب ، وهذا حق ، ولكن من قال أن إدخالها في الحساب يكون كما تريد هي لا كما تريد الأمة! ومن قال أن بعض الأوراق السهلة لا يمكن أن تجعل حسابات الظالمين من كل المقاييس ، تتداخل في اضطراب شديد!
بعد كل ذلك سيسألني القراء الأفاضل : ألم تتعهد بأن تكون كلمتك دعوية؟ بلى ، وماكتبتهُ إنما هو مقدمة طويلة من أجل سطور قليلة ، أردت بتلك المقدمة أن أبعث في القلوب بقية الغيرة على الأمة، وأن أوقظ في أعماقكم الإحساس بمأساة الظلم ، كي لانكون نحن جسوراً لأي ظلم!
منذ سنوات ألقى مرجع ديني كبير خطبة في أحد الفنادق الكبرى في دمشق ، ومما قاله للحضور : لقد عودتم نسائكم على الذل ، فأخرجن لكم جيلاً ذليلاً لا يستطيع أن يقول للطغاة : لا!
تلك بداية لا نفطن لها ، فإما أن يكون البيت مدرسة تمهيدية للظلم ، تعيش فيه الزوجة عبداً ذليلاً ، والأبناء أسرى تربية مزاجية معوجة ، أو يكون هو مدرج الطيران نحو الحرية ، التي لا يمكن لمن ذاقها أن يقبل الذل بحال.
لقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الستة عن النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ( .
كثيرون يفعلون مانهى عنه الحديث الشريف : يتركون صاحب المكانة والنفوذ ويعمدون إلى الضعيف فيقيمون عليه الحد ، وكثيرون الذين هم مع الظالمين مثل الأرانب ، فإذا رجعوا إلى بيوتهم أدبوا زوجاتهم ، بل وضربوهن ضرباً تنهد به الإبل العظام! وأمَةٌ ذليلة ماكانت لتصنع في البيت إلا جيل الأرانب الذي يتقن الفرار من كل موقف ، ويتقن العدوان على كل ضعيف ، تملؤه العقد ، ويستسهل الخضوع لكل قوي ، أما يلقى من أمه الضرب الظالم دوماً ، وأمه تتلقى الضرب من أبيه الظالم ، إذاً فليخضع الكل إلى ظالم أكبر ، وقمعه أشد ، وتفننه في العقوبة مخيف ، ولن يشق ذلك الجدار إلا رجل على منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، أو رجل مثل الحسين الشهيد رضي الله عنه : (إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فياسيوف خذيني!
( وسنتكلم في حلقة قادمة عن موضوع الضرب والانحراف الشديد في فهمه)
أما الحديث الصحيح الآخر المتفق عليه : (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ) ، فنراه كل يوم ، حتى لتضيق صدورنا من كثرة مانرى من خصومات بين الناس ، وواحدهم لوقيل له إن (الأميركان والإسرائيليين) قد هجموا على الدار لكان بهم رؤوفاً ، أما أخاه الذي خاصمه، فيكاد يخرج بروحه ، ويزهق أنفاسه ، ويمص دمه ، ويقطع عنقه لو استطاع ... وتراه ترك الظالمين وصب غضبه على أخيه ، ولو علم أن أكثر الخصومات إنما سببها قانون جائر ، وحكم باطل ، ونظام أعوج ... وأن تلك الأمور إنما تقصدت إفساد أخلاقيات الناس ليتوهوا فيها ، وأنه لو صبر وتحاكم إلى شرع الله لكان خيراً له ولفقدت تلك القوانين قوتها ، وزالت هيبتها ، وبان عوارها ، وانفض الناس عنها.
شهدت منذ أيام محاولة إصلاح بين طرفين اختلفا في إرث صار إليهما ، وقال عالم فاضل لهما : هل بدأتما أموركما على شرع الله ، فأجابا بالنفي! فقال : ماكان لطريق أوله باطل أن ينتهي إلى حق.
وقد ذكر فخري البارودي في مذكراته أن الدولة العثمانية قد فتحت في أواخر أيامها محكمة تجارية لفض المنازعات بين التجار (في دمشق) وبقيت تلك المحكمة (ثلاث سنوات لم تطاهأ قدم إنسان واحد) ، بل ذكر بعض كبار السن أن العشب قد نبت بين فواصل أحجارها لعدم من يمر بها!
لنتحاكم إلى شرع الله ، ولنترك مايفرضه الظالمين ، ويزجوننا إليه ، لنجعل من بيوتنا دار الإيمان والسكينة ، ومدارج العزة والحرية ، ولينصر أحدنا أخاه ، ولو أؤذي هو فإن يد الله مع الجماعة ، ولنبتعد عن صاحب عمامة ينافق ، ولنوجه غضبنا إلى الظلم في الأرض ، ولنكف عن الناس أيدينا وألسنتنا ، ولنتكلم بالحق ووجوب نصرته أينما ذهبنا.
ليكن عشق الحرية في كل كلمة نقولها ، وفي كل سلوك نتحرك به ، ولنهز صمت الناس بشجاعتنا ، ولنكسر قيود جبنهم بعدم خوفنا من الظالمين مهما كانوا ...ولننشر كل مايوقظ في النفوس حب الحرية والكرامة ..
وثقوا أيها الناس أنه إذا كثر فينا من يفعل ذلك ... فإن الظالمين ... وببساطة ... سيرحلون

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين