رسائل نبوية في المراحل الانتقالية

بقلم / ماهر إبراهيم جعوان

 

قال صلي الله عليه وسلم (فعليكم بسنتي وسنةالخلفاءالراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)صحيح  
ما أحوجنا الآن إلي إتباع هديه صلي الله عليه وسلم وخطواته ورسائله للتعامل مع هذه المرحلة الانتقالية للأمة للحفاظ علي مقدراتها وخيراتها فنبحث عن التآلف والتجانس والتعاون والتكامل والالتفاف حول المشترك والمتفق عليه الذي يجمع ولا يفرق
 
ففي بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود في موضعه جمع النبي صلى الله عليه وسلم الجميع في وقت اشتد فيه الصراع والنزاع والشقاق بل كانوا أقرب لإراقة الدماء ولم يستأثر النبي(ص) بالأمر دونهم ولم يؤثر بني قومه بل جعل الجميع يشارك في صنع الحدث وحل المشكلة وطيب صدورهم ووقر كبيرهم ورفع شئنهم وتعاون الفرقاء يداً بيد لاستقرار المجتمع ونزع فتيل الأزمة 
 
وبعد فتح مكة امتنع القائد المظفر المنتصر والنبي المرسل صلى الله عليه وسلم عن تغيير بناء الكعبة احتراماً لتعظيم هؤلاء الناس للبيت الحرام ولأن العادات والتقاليد والأعراف لا تسمح بذلك الآن فقال لأم المؤمنين عائشة (لولا أن قومكحديثعهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم)البخاري
 
 بل إنه صلى الله عليه وسلم قدر قيمة الرجال حتى لو كانوا علي الشرك فقال في عمر بن الخطاب وأبي جهل    (اللهم أعزالإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب )حسن
 
واشترك صلى الله عليه وسلم في حلف لرفع الظلم والغش والجور عن المستضعفين وإقامة العدل بالتعاون مع كل الفرقاء (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به فيالإسلاملأجبت)رواه أحمدا مرفوعاً
 
ووازن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المنافقين بين استيعابهم والحظر من شرورهم وبين قتلهم فقال عن عبد الله بن أبي ابن سلول (دعه، لا يتحدث الناس أن محمدايقتلأصحابه)البخاري
 
 وذلك لاعتبارات داخلية وخارجية وإقليمية ودولية وللصالح العام فامتنع عن قتله ربما يتوب من جانب ولأن نظرة المجتمعات المجاورة ربما تأخذ صورة غير حقيقية ومغلوطة عن الدعوة
 
وفي صلح الحديبية يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم بعقلية السياسي المحنك ورجل الدولة الذي لديه وضوح رؤية لأهدافه السياسية والدعوية والاجتماعية وللمرحلة التي يحياها فيمحوا صلى الله عليه وسلم لفظ الجلالة والرسالة من الوثيقة   ويأخذ منهم الإقرار بالمسلمين كقوة ودولة وكيان ويأمن جانبهم حيناً من الدهر فزاد النشاط الدعوي في شبة الجزيرة العربية وما حولها وأرسل الرسائل للملوك والأمراء يدعوهم إلي الله ولم يتعجل المواجه الشاملة مع قريش
 
ومع ذلك لا تنازل ولا تفريط في الثوابت والمعتقدات ولا في المبادئ والقيم والمثل العليا فمنذ أو الدعوة والأمور واضحة (يا عم !و الله لو وضعوا الشمسفييميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)ضعفه الألباني
 
وفي تفاوضه مع قبيلة بني شيبان بن ثعلبه عرضوا عليه أن يحموه من العرب ويمتنعوا عن حمايته من كسري فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه)فأعلي صلى الله عليه وسلم عالمية الدعوة وشمولها لكل زمان ومكان علي حل مشكلة آنية مؤقتة ولم يرضي بحلول جزئية رغم عدم وصول الدعوة بعد إلي الفرس والروم ورغم أن العرب هم من وقفوا في وجه الدعوة وأنهم العدو في ذلك الوقت ومع ذلك لا تنازل علي الأسس والثوابت والمعتقدات
 
 

ففي المراحل الانتقالية الفاصلة في بناء الأمم لا غني عن التدرج والواقعية والإقناع والإيضاح لتصويب الأخطاء ولإقامة الحجة وإقرار القوانين مع التعاون في بناء الوطن والنهوض به في ظل عدم الاصطدام بالعادات والتقاليد وتحيد المخالفين وتقدير ظروفهم واستخدامهم لتكوين رأي عام قوي وضاغط ومؤثر لمناصرة الفكرة الإسلامية فنحن أحق الناس بإعلاء هذه القيم وتلك المبادئ فالحكمة ضالة المؤمن أنَا وجدها فهو أحق الناس بها.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين