المعين على تدبر الكتاب المبين سورة ق - 8-

الشيخ مجد مكي
[وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ] {ق:23}
وقال المَلَك المُوَكَّل بكتابة السيِّئات: هذا الذي في صحيفته من السَّيِّئات مكتوبٌ عندي مُعَدٌّ مُحضَر.
[أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ] {ق:24}
يقول الله تعالى للمَلَكَيْن المُوَكَّليْن بمراقبته في الدنيا، وسَوْقه والشهادة عليه يوم الحساب: اطرحا واقذفا في جهنَّم دار العذاب يوم القيامة كلَّ من اتصف بصفة من هذه الصفات الست: الصفة الأولى: أنه شديد الكفر منهمك في التكذيب وجحود النعم، الصفة الثانية: أنه مُعَاند لله فيما أمر به، يعرف الحق ويرده بجرأة ووقاحـة.
[مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ] {ق:25}
الصفة الثالثة: أنـه دائم الصدِّ للخير أن يصل إلى نفسه، أو غيره، فهو لا يُحسن إلى عباد الله بماله أو حاله أو قاله أو جاهه، الصفة الرابعة: أنه ظالم متجاوز للحدِّ، الصفة الخامسة: أنه مُشكِّك لغيره في الله وفي دينه، بوساوسه وإغوائه.
[الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي العَذَابِ الشَّدِيدِ] {ق:26}  
الصفة السادسة: الذي اتّخذ وصيّر مع الله إلهاً آخر يعبده من دون الله، وإذا كان هذا حاله فألقياه في عذاب جهنَّم الشديد.
وعند ذلك يعتذر الفاجر بأن قرينه الشرير هو الذي أطغاه ، فيرد شيطانه الذي قُيِّض لمقارنة هذا الكافر في الدنيا، وزيّن له الكفر والفسوق:
[قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ] {ق:27}
ربَّنا ما أنا الذي جعلتُه يُجاوز الحدَّ في العصيان، حتى بلغ مُنحطّاً إلى الكفر، ولكن كان في خروج عن الحق متناهٍ في البعد لا يرجى صلاحه.فسار وراء شهواته وتأثر بمجرد دعائي له ولم أكرهه .
[قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالوَعِيدِ] {ق:28}
فيردُّ الله تعالى على المتخاصِمَيْن من كفار الإنس وقُرنائهم من شياطين الجن: لا تتنازعوا عندي ويكذّب بعضكم بعضا في دار الجزاء وموقف الحساب، والحال أني قد أوصلت وأنهيت إليكم في الدنيا وعيدي بالعذاب ، وأنذرتكم على لسان رسلي وفي كتبي، وحذَّرتكم عذابي في الآخرة لمن كفر بي وعَصَاني.
[مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ] {ق:29}
لا يُغيَّر الوعيد الذي قرَّرته على الكافرين، ولا مَطْمع لأحدٍ أن يجد معاذير يعتذر بها، وما أنا بظلاَّم للعبيد؛ فلا أظلم أحداً منهم أدنى ظلم،بنقص الحسنات أو زيادة السيئات، بل هم الظالمون لأنفسهم؛ إذ ارتكبوا السيئات، وهم يعلمون أنهم معاقبون عليها، ضمن قانون الجزاء الربَّاني.
[يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ] {ق:30}
اذكر وقت يقولُ الله تعالى لجهنَّم توبيخاً للكَفَرة: هل دخلك ما يشغل كل جزء فيك؟ وتقول جهنَّم غضباً عليهم: هل من مكان أستزيد به من هؤلاء الظالمين؟ لم يبق فيَّ موضع لاستزادة. فـ "هل" حرف استفهام تقريري ، أي : أقرِّي بأنك امتلأت وحقَّقت لك ما وعدتك به .
[وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ] {ق:31}
وقُرِّبَتْ الجَنَّة وأشجارها وقصورها ونعيمها للمُتَّقين الذين اتَّقوا ربَّهم ـ بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ـ في أرض المحشر على مرأى منهم ومَقْربة، يَرَون نضرتها وجمالها، ويشمُّون ريحها.
[هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ] {ق:32}
يقال لهم: هذا الذي بشِّرتم به ـ أيُّها المتَّقون ـ في الدنيا على ألسنة الأنبياء، لكُلِّ من اتَّصف بالصفات الأربعة التالية: الصفة الأولى: أنه رَجَّاع عن المعصية إلى الطاعة، الصفة الثانية: كثير الحفظ لإيمانه وعهده لربِّه، ولتوبته من النقص والتغيير، ولجميع أوامر الله ونواهيه.
[مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ] {ق:33}
الصفة الثالثة: مَنْ خاف الرحمنَ مخلصاً بعيداً عن الرياء خوفاً مصحوباً بتعظيم وحب، فأطاعه وإنْ لم يره، والصفة الرابعة: جاء يوم القيامة بقلب راجع إلى الله تعالى دائماً، مُخلص في طاعته لا يعرف غيره. ويقال لهؤلاء المتَّقين:
[ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ] {ق:34}
ادخلوا الجنَّة مصحوبين بسلامة من العذاب والهموم، مسلَّما عليكم من الملائكة، ولْيسلم بعضكم على بعض للإيناس والتلطف، ذلك اليوم الذي دخلتم فيه الجنة هو يوم الدوام الأبدي في الجنة؛ لأنه لا موت فيها.
[لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ] {ق:35}
لأصحاب الجنة كل ما يريدون أن ينالوه، وكل ما يسألون الله فيها، حتى تنقطع أمانيهم، وتنتهي مسألتهم، وعندنا في ملكنا وقدرتنا من نعيم الجنة زيادة على ما عملتم وطلبتم ، فيزيد الله عباده من النعيم ما لم يسألوا ـ ممَّا لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ـ وأعظمُه: رضا الله عز وجل، والنظر إلى وجه الله الكريم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين