آيات الضمير في القرآن

الشيخ: منصور علي رجب

قبل أن نعرض لآيات الضمير في القرآن الكريم ينبغي أن نعرف أولاً ما هو الضمير؟ حتى نعرف على ضوئه ما ورد بشأنه في القرآن الكريم.
الإنسان مادة وروح، أما المادة فهي تلك الأجزاء التي يتكون منها هذا الجسم الذي نراه، وأما الروح فهي من أمر ربي لا نراها، ولكن بآثارها نشعر بما يؤلف كينونتها داخل نفوسنا، وإنما تتألف كينونتها من شعور وأحاسيس، وشهوة وعقل، وإرادة وقدرة، ومن جزء آخر له الرياسة العليا المطلقة عليها وهو (الضمير) فالضمير هو الموجه لكل هذه الأجزاء، أو هو مركز التوجيه لهذه الأجزاء.
والشريعة الإسلامية تعتبر الضمير حاسة فطرية يرى بها الإنسان صواب الأمر من خطئه كما ترى العين الألوان، ولذلك يقول صلوات الله عليه لوابصة بن معبد وقد ذهب إليه يسأله عن البر والإثم: جئت تسأل عن البر؟ قال: نعم. قال صلوات الله عليه: (البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك).
والقرآن الكريم يشير إلى هذا الضمير في قوله تعالى:[وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] {ق:16}.
هذه الوسوسة أو هذا الصوت الخفي، هو صوت الضمير الذي نسمعه كل يوم يناجي عقلك ويصرفك عن الشر.
وإذا عرفنا أن الوريد عرق في العنق يرده الدم الذي به الحياة، عرفنا مبلغ قرب الله سبحانه وتعالى منا بعلمه الواسع.
وإذا كان الله تعلى يعلم هذه الوسوسة النفسية ويطلع عليها، وكل منا يعلم أنه أحياناً ينوي الشر ولا يفعله، فما حكم هذه النية؟
الآيات القرآنية في هذا المعنى منها: ما يؤخذ منه أنه يحاسب، ومنها ما يؤخذ منه أنه غير محاسب، فكيف نوفق بين هذه الآيات؟
يقول الله تعالى: [لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ] {البقرة:286}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به) هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف يؤخذ منهما أن الإنسان لا يحاسب على نية الشر بلا عمل.
ويقول الله تعالى:[ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ] {البقرة:284}. ويقول جل شأنه: [إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36}  
ويقول:[لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ] {البقرة:225}.  وفي الحديث الصحيح: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصاً على قتل صاحبه) فهذه الآيات وهذا الحديث يؤخذ منها أن الإنسان يحاسب على نية الشر بلا عمل، فكيف توفق بين هذه الآيات والأحاديث التي تظهر أنها متضاربة؟
قبل أن نجاوب على ذلك نتكلم على الخطوات النفسية التي تسبق العمل، أي: تسبق ظهوره على مسرح هذه الحياة، وهي:
1 ـ الخاطر، وهو حديث النفس.
2 ـ الميل، وهو توجه النفس إلى هذا الذي حدثتك به.
3 ـ حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل.
4 ـ تصميم العزم وجزم النية.
أما الخاطر والميل فلا يؤاخذ الإنسان بهما، وعلى ذلك تحمل الآية الأولى والحديث اللذان يفهم منهما أن لا عقاب.
أما إذا و صلت وسوسة النفس إلى حد حكم القلب والعزم والتصميم فيحاسب.
وعلى الجملة فإن ما يرد على القلب إن قبِله واستحسنه ولم ينكره، وكان قوياً بحيث يدفع إلى العمل أوخذ الإنسان عليه وإلا فلا.
والضمير يمرض كما يمرض الجسم، فهناك ضمير سليم، وترى هذا بوجه صاحبه دائماً إلى الخير، ويصرفه عن الشر، ولا يرضى بغير ذلك بديلاً، وصاحب هذا الضمير تراه دائماً هادئاً ساكناً منشرحاً مطمئناً، وصاحب هذا الضمير يصفه القرآن الكريم بقوله:[يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي] {الفجر:30}.
والضمير المريض ترى صاحبه يخطئ ويصيب، وإذا أخطأ لام نفسه، ورجع إلى صوابه، والرجوع إلى الحق فضيلة.
أما الضمير الميت، ونعوذ بالله منه، فترى صاحبه يدبر لغيره المكايد، والمصائب، حتى إذا أوقعه فيها سر لذلك سروراً كبيراً، وهذا الشخص لا مانع عنده من أن يصل إلى غرضه، ولو على جماجم البشر أجمعين، ومثل هذا الشخص أضل من الحيوان لأن الحيوان لا ضمير له، أما هذا فقد ميَّزه الله بنعمة الضمير، ومع ذلك لم يشكر نعمة الله عليه.
وإذا كان الضمير الإنساني يمرض كما يمرض الجسم فهل من علاج له؟!
العلاج: يصفه القرآن الكريم في قوله تعالى:[وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] {الأعراف:200}.
ونزغ الشيطان عبارة عن وسوسته ونخسه في القلب بما يسول للإنسان المعاصي.
والإستعاذة بالله التي هي الدواء عبارة عن أن تتذكر دائماً عند قدرتك على المغضوب عليه قدرة الله عليك. فمن شأن هذا التذكر أن يدعوك إلى أن تعرض عن مقتضي الطبع، والإقبال على أمر الشرع.
وفي التعبير بقوله الله تعالى:[ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] {الأعراف:200}. معنى: ينبغي أن نلتفت إليه وهو أن الأستعاذة باللسان لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة، فكأنه يقول تعالى: اذكر الاستعاذة بلسانك فإني سميع، واستحضر معنى الاستعاذة عملياً بعقلك وقلبك فإني بما في الضمير عليم.
وفي ذلك يقول الله تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}.
إن مس الشيطان أبلغ من النزغ الذي هو كالابتداء في الوسوسة، فهو خطوة أقوى من النزغ، فإذا حصل هذا المس للمتقين تذكروا قدرة الله عليهم، فإذا هم يبصرون مواقع الخطأ، ومكايد الشيطان فيحترزون عنها، ويبتعدون منها.
وليس على من يريد أن يعالج ضميره إلا أن يتذكر دائماً قدرة الله عليه، وأن يكرر في الخارج التزام توجيه الضمير الحي بأن يحتكم إلى ضميره في كل ما يعمل وما يفكر.
إنا إن فعلنا ذلك فقد مشينا على ضوء الأخلاق الدينية، وفي ذلك النجاح كل النجاح، وفقنا الله لما فيه صلاح نفوسنا واستقامة أمورنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر: مجلة لواء الإسلام العدد 11 السنة 8 رجب 1374هـ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين