كلمات في الوسطية ـ 7 ـ
الشيخ : مجد مكي
حقائق ضيقة الحدود والمقادير
يوجد قسم من الحقائق تضيق مساحة حدودها ومقاديرها ، فلا نكاد نجد لها مراتب أو درجات ، حتى يبدو لنا أنها قوالب لا تحتمل المخالفة بأقلَّ المقادير وأدناها ، فهي لا تنطبق إلا على ما يماثلها ، فما نقص عن حدودها من أيِّ جانب من جوانبها كان تفريطاً ، وما زاد عن حدودها ومقاديرها من أيِّ جانب من جوانبها كان غلواً.
أ ـ فالخوذة إن نقصت عن دائرة رأس صاحبها لم تصلح، إذ لا يدخل الرأس فيها، لسبب التفريط في حقِّ الرأس ومقدار دائرته، وإن زادت على دائرة الرأس لم تصلح، إذ لا تثبت على الرأس، بسبب الغلو في توسيع دائرتها.
ب ـ المسامير اللولبية في الآلات الدقيقة، التي جعلت فيها ثقوب لولبية ذات حدود ومقادير شديدة التركيز، لا تصلح ما لم تكن على وَفْق حدود ثقوبها ومقاديرها تماماً.
فإن زادت لم تدخل، وإن نقصت دخلت، ولكنها لم تؤد وظيفة الربط والإمساك المطلوب.
ج ـ مفاتيح الأقفال كذلك لا تقبل الزيادة ولا النقص.
د ـ نواتج الأعمال الحسابية لها قوالب مطابقة لها تماماً لا تقبل زيادة ولا نقصاً.
هـ ـ صكوك العقود التي أمر الله بكتابتها، يجب أن تكون مطابقةً مطابقة كاملة ما تمَّ العقد عليه... قال تعالى : [وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا] {البقرة:282} . [فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا] {البقرة:282} .
التفريط في الدين:
فالتفريط في الدين يكون بالتقليص والنقص من مساحة حقوق الدين، بسبب عدم الاهتمام بحدود الله تعالى، وعدم القيام بما أمر الله، وضعف الإيمان الذي يرجع إلى تناقصه درجة الصفر، وإلى غيبوبته عن التصور العامل المؤثر.
والتفريط في الدين: اتِّباعٌ للهوى، وإيثارٌ للشهوات، وحبٌّ للعاجلة، وترك للآخرة، وقد يصل إلى درجة الفجور، وهو الانطلاق الوقح في المعاصي والآثام دون أيِّ كابحٍ ضابط.
أسباب الغلو في الدين:
والغلوُّ في الدين يكون بتجاوز حدود الله، توسُّعاً في مساحة الدين المحدَّدة بهذه الحدود.
 والغلُّو في الدين يكون بسبب المبالغة في الاندفاع القوي دون بصيرة، ويرافق في ذلك الاندفاع حركة هوجاء، يكون منها قفز أرعن، واضطراب في الرؤية، وفساد في تصوِّر الحقيقة...
وقد يكون بسبب سوء فهم حقيقة الدين، وجنوح الفكر عن الرؤية الصحيحة.
وقد يكون بسبب الحرص على احتلال مراكز الاحترام والتقديس عند العامة.
وبسبب الحرص على منافع دنيوية مالية، وبعض الغلاة مندسُّون لإفساد مفاهيم الدين.
فالغلو في الدين خروجٌ عن حدوده، بسبب سوء التصور له، أو من الكيد للدين والمكر به...
وهناك تفريط وغلو في العقائد والمفاهيم الدينية الأساسية.
وتفريط وغلو في الأحكام التشريعية.
وتفريط وغلو في السلوك الديني.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
***
وينظر كتاب (بصائر للمسلم المعاصر) لشيخنا الميداني.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين