بروق النِّعَم من دياجير الظُلَم  (2):

الخاطرة الأولى:

أخرج الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عظيمتان تكون بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَكْثُرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فَيَقُولُ لَيْتَنِي مَكَانَكَ، وَلَا تُقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا الناس، آمنوا أجمعون، وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمانها خيراً، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ).
قال الحافظ ابن رجب: وَمَضْمُونُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْأُمُورَ تَوَسَّدُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَنْ سَأَلَهُ، عَنِ السَّاعَةِ: (إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، فَإِنَّهُ إِذَا صَارَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رِعَاءُ الشَّاءِ - وَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْجَفَاءِ - رُؤُوسَ النَّاسِ، وَأَصْحَابَ الثَّرْوَةِ وَالْأَمْوَالِ، حَتَّى يَتَطَاوَلُوا فِي الْبُنْيَانِ، فَإِنَّهُ يَفْسَدُ بِذَلِكَ نِظَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ رَأْسُ النَّاسِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا عَائِلًا، فَصَارَ مَلِكًا عَلَى النَّاسِ، سَوَاءً كَانَ مُلْكُهُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُعْطِي النَّاسَ حُقُوقَهُمْ، بَلْ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِمْ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لِأَنْ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى فَمِ التِّنِّينِ، فَيَقْضِمُهَا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَمُدَّهَا إِلَى يَدِ غَنِيٍّ قَدْ عَالَجَ الْفَقْرَ. وَإِذَا كَانَ مَعَ هَذَا جَاهِلًا جَافِيًا، فَسَدَ بِذَلِكَ الدِّينُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ فِي إِصْلَاحِ دِينِ النَّاسِ وَلَا تَعْلِيمِهِمْ، بَلْ هِمَّتُهُ فِي جِبَايَةِ الْمَالِ وَاكْتِنَازِهِ، وَلَا يُبَالِي بِمَا فَسَدَ مِنْ دِينِ النَّاسِ، وَلَا بِمَنْ ضَاعَ مِنْ أَهْلِ حَاجَاتِهِمْ.
وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَسُودَ كُلَّ قَبِيلَةٍ مُنَافِقُوهَا ). وَإِذَا صَارَ مُلُوكُ النَّاسِ وَرُؤُوسُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ انْعَكَسَتْ سَائِرُ الْأَحْوَال، فَصُدِّقَ الْكَاذِبُ، وَكُذِّبَ الصَّادِقُ، وَائْتُمِنَ الْخَائِنُ، وَخُوِّنَ الْأَمِينُ، وَتَكَلَّمَ الْجَاهِلُ، وَسَكَتَ الْعَالِمُ، أَوْ عَدِمَ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ )، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ ( يُقْبَضُ الْعِلْمُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَّلُّوا وَأَضَلُّوا).
 وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَصِيرَ الْعِلْمُ جَهْلًا، وَالْجَهْلُ عِلْمًا.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنِ انْقِلَابِ الْحَقَائِقِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَانْعِكَاسِ الْأُمُورِ. انتهى.
الخاطرة الثانية:
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ( أمّتي هذه أمّة مَرْحُومةٌ ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُهَا في الدنيا: الْفِتَنُ، والزلازلُ، والقتل ). قلت: وهذا في العذاب العام الذي يصيب الأمة مجتمعة، كما حصل مع الأمم السابقة التي كذبت نبيها وحاربته، فأهلكهم الله تعالى إهلاكا عاما. وأمتنا ، وبالأخص في مطلع القرن العشرين، حاربت دين الله تعالى أيما محاربة، فقتلت أتباع الأنبياء، وعطلت شرع الله تعالى، وحكمت بغير ما أنزل الله، واعتبر الدين تخلفا، والكفر تقدما. فلولا هذه الرحمة التي سبقت لأهلك الله تعالى هذه الأمة. وهذا لا علاقة له بالعذاب الفردي لكل مسلم فليتنبه. والله أعلم.
الخاطرة الثالثة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَعْدِلُونَ فِي عِبَادِ اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ. فَمُغَيِّرٌ بِيَدِهِ، وَمُغَيِّرٌ بِلِسَانِهِ، وَمُغَيِّرٌ بِقَلْبِهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمان شَيْءٌ).
فيا من جبن عن قول كلمة الحق، لا تتحفنا بخذلانك والناس يجودون بدمائهم لأجل كرامتك وكرامة أمثالك، وغدا عندما يكرمك الله تعالى أنت وسواك بحكم تشعر فيه بإنسانيتك تذكر فضل هؤلاء عليك ، وأنك خذلتهم في موضع احتاجوا فيه لنصرتك.
الخاطرة الرابعة:
أخرج أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ بسنده عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً ورحمة وسيكون خلافة ورحمة وسيكون عزاً وحرمة وسيكون ملكاً عضوضاً وفساداً في الأمة يستحلون به الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُرْزَقُونَ أبداً حتى يلقوا الله عز وجل).
فيا من يرى الخيرات عند الآخرين، لا تغتر بهذا، فالعاقبة للمتقين.[وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ(77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ(78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ(80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ(81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَافِرُونَ(82) تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83) مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(84) ]. {القصص}.
اللهم ثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل رضاك والجنة قبلتنا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين