حمص العصيَّة

عبد العظيم عرنوس

 
ألا يسمع العالم الحر صرخات المستغيثين في سوريا على وجه العموم، وحمص على وجه الخصوص! ألا يرى هذا العالم عربيه وعجميه الحصار الخانق على بابا عمرو والذي فرضته عصابة الأسد كي تميت أهل هذا الحي من الجوع والعطش والمرض والبرد القارس، ويقضي الجرحى نحبهم من انعدام أدوية الإسعافات الأولية! أما سمع هذا العالم المتحضّر أن أثداء النساء قد جفّت من هول القذائف بشتّى أنواعها فلم تعد تبض أثذاؤهنّ بقطرة حليبٍ ليرضعن أطفالهنّ.
 
أين الزعماء، أين القادة، أين المسؤولون في هذا العالم؟ إنني أجزم بيقينٍ أنّ هناك دولاً تستطيع - لو أرادت - إيقاف هذا الهول الصادم والمجازر الرعيبة التي تقترف في رابعة النهار أمام سمع العالم وبصره لاستطاعت؛ لكنهم اكتفوا بالشجب والتنديد دون أن يفعلوا شيئاً ذراً للرماد في العيون!
 
وكان البرّ فعلاً دون قولٍ *** فصار البر نطقاً بالكلام
قال الفضيل بن عياض: المؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل
 
ثم لماذا هذه البربرة الفظيعة، والحمم المسعورة تصب على حمص صبا وبالأخص على حي بابا عمرو .. السر في هذا أن حمص بيضة قبان الثورة السورية، وقبلة الثوار الملهمة، وقلب الثورة منذ أن اعتلى ذلك الشاب الجسور البطل نادي ضباط حمص في 25-3-2011 وركل بقدمه الشريفة صورة الهالك حافظ الأسد ومزّق صورته. منذ هذا الوقت وإلى هذا اليوم حمص عصية على النظام.
وحقٌ على كل شريف أن يقف إكباراً لحمص العصيَّة، حمص التي غيرت مجرى التاريخ، حمص التي ضربت بكفها على صدرها فاستلمت الراية وأذكت نار الثورة، حمص التي ترسم بدماء أبنائها أروع ملحمةٍ بطوليةٍ قلّ نظيرها في التاريخ.
 
حمص الكرامة لُبُّ القلب يحضنها *** يا رحمة الله فلتسقي أهاليها.
 
حمص العصيّة – وستبقى عصيةً بإذن الله – ظاهرةٌ متميّزةٌ في بطولتها وإبداعها وعزيمتها، وإصرار إنسانها على كتابة تاريخ سوريا الجديد.
 
نعم ، إن حمص قادرةٌ على تجاوز المحنة، ولا نقول هذا بالأمنيات أو الخيالات الحالمة، بل نقوله من واقع تاريخ حمص العصيّة، فالتاريخ يشهد صمود حمص.. فقد كانت عصيةً على اليونان، والرومان ، والبيزنطيين، والفرس، والفرعون رمسيس الثاني، والإسكندر المقدونيّ، وهولاكو المغوليّ... كانت حمص عصيةً على هؤلاء جميعاً فأذاقتهم مرارة الهزيمة والانكسار، ولما استولى تيمورلنك على بلاد الشام مرّ بحمص فلم يدمرها كما فعل بمدن سوريا، بل وهبها لخالد بن الوليد قائلاً : يا خالد؛ إن حمص هديتي إليك أقدمها من بطلٍ إلى بطل!
 
حمص ليست ألعوبة بيد الأعداء وهي التي أذاقت الفرنسيين الموت الزؤام، وبقيت عصيةً على كل من أراد أن ينال من حريتها وكرامتها.
 
على أننا لا نبخس جهودوتميز وصمود وإبداع وصبر كل ثوار مدن وقرى ونجوع سوريا، فلكلٍ جهوده وإبداعه وصموده وتميزه وصبره؛ لكن تميز حمص له نكهة متميزة ومذاق فريد.
 
أحفاد خالد بن الوليد سيف الله المسلول امتشقوا حسامه ، وتنافسوا على الضرب بسيفه، كلٌ يريد أن ينال شرف الضرب به .. روى أحمد في مسنده أن أبا بكر رضي الله عنه عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، وسيف من سيوف الله سله الله على عز وجل على الكفار والمنافقين.
 
وجسد حمص كما جسد خالد لم يبقَ فيه موضع شبرٍ إلا وفيه ضربةٌ بمدفعٍ، أو هجمةٌ بصاروخ، أو قذيفةٌ بهاون، وأحجار حمص وأبنيتها وأشلاء أبنائها ودماؤهم الزاكية شاهدةٌ على ذلك، فلا نامت أعين الجبناء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين