تعقيب الشيخ صلاح الدين الادلبي حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخ الكاتب الكريم حفظك المولى:
قرأتُ مقالتيك اللتين تحملان العنوانين التاليين: مقالة بعنوان "إلى علمائنا الأفاضل"، ومقالة بعنوان "الثورات لقيطة فمن لها".
بدا لي أنك ربما اطلعت على بعض ما قاله ويقوله بعض المشايخ الأفاضل، وعلى بعض كتاباتي مثل "نداء إلى مشايخ المذهب الحنفي في حلب والبلدات السورية النائمة"، ونداء إلى مشايخ المذهب المالكي ونداء إلى مشايخ المذهب الشافعي.
غيرتك على مستقبل هذا الدين مشكورة ومقدرة، وجزاك الله خيرا.
وعندي بعض الملحوظات:
قلتَ أيها الأخ الكريم عن علماء الفقه: "وينقلون من الكتب القديمة ويعلقون عليها بطريقة يكاد لا يفهمها إلا هم أنفسهم مما يجعلنا نتساءل إلى من يُوجه هذا الخطاب ومَن المقصود منه؟".
أقول: المناقشة الفقهية مع بعض من يدَّعي معرفة الفقه لا بد أن تكون بلغة الفقهاء، ومثل هذه المناقشات موجهة للمشايخ وطلاب العلم للتفهم ومراجعة المواقف، ولسائر شرائح المجتمع للاطلاع.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "أخشى ما أخشاه أن الثورات العربية اليوم سيقودها وسيكرس فكرها العلمانيون الذين يجيدون التفكير والتعبير أكثر من المسلمين".
أقول: وأنا معك.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "والله إني لأخجل أحيانا من اجتهادات بعض علمائنا وهم يفندون أحكام الخروج على الحاكم ومن هم البغاة وما هي الفتنة التي يُصبر على الظالم الفاجر خوفا منها".
أقول: إنها لغة الفقه والاستنباط وبيان المحترَزات والمَاصَدَقات وهلم جرا، فاصبر عليها وتلطف معها، وكل أمم الأرض في قوانينها وشروح القوانين هي كذلك.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "هل تظنون أن مشايخ مذهب معين قد وقفوا مع السلطان أو ضده بعد أن راجعوا أقوال أصحاب المذاهب أم إنها المصالح أو الخوف والقلق أو الزعامات الروحية؟".
أقول: ثق تماما أن بعض المشايخ قد وقفوا مع السلطان كما ذكرتَ من أجل المصالح والمنافع المادية من مال أو جاه أو كليهما، أو من أجل المحافظة على الزعامات الروحية الزائفة، أو خوفا من البطش والتنكيل، وأن بعضهم قد وقفوا موقف السكوت بعد أن راجعوا أقوال أصحاب المذاهب، وأن الخلل في مواقفهم هو بسبب الخلل في معرفة مراتب الأئمة ومراتب الأقوال، فلمثل هؤلاء يكون التوضيح والتنقيح.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "والقرآن الكريم والسنة المطهرة بين أيديكم".
أقول: نصوص القرآن الكريم محفوظة لا خلاف في ثبوتها، ولكن بعض نصوص السنة المطهرة تحتاج لبحث وتمحيص في قضية الثبوت أو عدم الثبوت.
المتخاذلون والمثبطون للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يحتجون برواية "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"، وبرواية "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع"، وبنحو هذه المرويات المعلولة، فلا بد من البحث العلمي الدقيق في طرق هذه الروايات ليكون الفقيه المستنبط على بينة. ولأخيك كاتب هذه السطور بعض الأبحاث في علم علل الحديث وبيان إعلال تينك الروايتين.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "ولكن عليكم أن تصوغوا خطابا معاصرا يقنع المسلم وغير المسلم باستحقاق الإسلام لريادة حركة التغيير".
أقول: وأنا معك.
قلتَ أيها الأخ الكريم: "الناس لا يطيقون في معظمهم كلام الفروق بين المذاهب، وهم يحتاجون إلى إجراءات عملية واضحة".
أقول: نحن بحاجة إلى مزيد من التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه وربط الفقه بهما، ليكون الخطاب مفهوما ومقبولا لدى جماهير أبناء الأمة الذين يبحثون عن الحقيقة ويضحون من أجلها. وجزا ك الله خيرا.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، واجعلنا من الراشدين.
وكتبه أخوكم صلاح الدين الإدلبي في 9/ 11/ 1432

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين