جمود الفكر وخطره على الإسلام - خطر جمود الفكر
جمود الفكر وخطره على الإسلام
بقلم الباحث: أديب الكمداني
    الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسلامُ على رسول الله، وبَعْدُ؛ فإنّ الإسلامَ ابتلي بثلاثةِ أصنافٍ مِن الناس:
     الصنفُ الأولُ: جاهلٌ، يتكلَّم باسم الدِّين، فيَقْلِبُ الحقائقَ العلميةَ عن جَهْلٍ، ويُظْهِرُ صورةً سيئةً عن العِلم.
     الصنفُ الثاني: جاحدٌ، يُنْكِرُ الحقائقَ العلميةَ بشبهاتٍ لا صِلةَ لها بالعِلْم، وإنما الباعثُ الهوى تارةً، والخضوعُ لأفكارٍ مسمومةٍ تارةً أُخرى، والحصولُ على أَجْرٍ ماديٍّ تارةً ثالثة.
     الصنفُ الثالث: جامِدٌ، وهذا أخطرُ الثلاثة، لأنّ الصنفين السابقين أَمْرُهما مكشوفٌ، وحالُهما معروفٌ. أمّا الجامِدُ فَإنه يَتَكَلَّمُ باسمِ الإسلام، ويأتي بأدلةٍ مِن الإسلام، وهي في الحقيقةِ مُناقضةٌ لقواعدِ الإسلامِ، ومقاصدِ الشريعة وكُلّياتِها، لأنها وُضِعَتْ في غيرِ مَحلِّها، وأُصْدِرَتْ أحكامٌ خاطئةٌ بناءً عليها، لِسوء فَهْمِ ناقِلها أو المستدلِّ بها. فأورثَ هذا كلُّه عواقبَ وخيمة، وجَنَتْ الأُمّةُ ثَمرةً سيئةً مِن جرّائها، على جَميع الأصْعدة، فقد كانت هذهِ العقولُ سبباً في نَشْرِ الضَّغائن بين الناسِ، وساهمتْ بتفرقةِ الكلمة، وصنّفَتِ الناسَ أصنافاً، مِنهم مُؤمنون موحّدون، وهم أتباعهم فقط. ومِنهم الكافرون، أو المشركون، وهم الذين لا يعتقدون عقائدهم الكليَّة والجزئيَّة. ومِنهم الفاسقون المبتدعون. وهم الذين لا يَخْضَعون لآرائهم الفقهيَّة والاجتهاديَّة.
    هذه التصنيفاتُ أَورَثَتْ في نفوسِ أتباعهم كُرْهَ المخالِف لهم، وشَنَّ الحربِ عليه، والسَّعيَ في إيذائه، وإباحةَ غيبتهِ وسبِّهِ وشتمهِ، هذا إذا كان مسلماً. أمّا إذا كان غير مسلم، فزرعوا في نفوس الأتباعِ الحقدَ الدّفين، والعداوةَ المسْتعرةَ ضِدَّ غير المسلم، استناداً إلى أدلّة لَوَوْا عُنقَها لِتميلَ مع هواهم وفهمِهم ومعتقدِهم.
     وبذلك تتجلّى خطورةُ سوءِ فَهْمِ الإسلام، حيث سوَّى هؤلاءِ الناسُ بين النصوص القطعيَّةِ التي لا تحتمل إلا وجهاً واحداً، وبين الأدلةِ الشرعيَّة التي تَحتمل أكثرَ مِن وجهٍ، عند الخبير بقواعد العِلم، وواسعِ الاطلاع على الأدلة الشرعية.
    وقد تكلمتُ في رسالة مستقلة عن خطورة سوء فهم الإسلام ألخصها في هذه الورقات، وأتحدَّث فيها عن جانبٍ مِن حال هذا الصنّف مِن الناس، وهو جانبُ إنكارِ المسائل الخلافيةِ، أو تجاهلها، التي كانت مُرتكزةً على أدلّة هي في الأصلِ قابلةٌ لِعدّةِ وجوهٍ ومفاهيم، واللهُ تعالى قادرٌ أنْ يَجعلَها تَحتملُ وجهاً واحداً، ولكنه لم يَفْعَلْ، لِيفتحَ البابَ أمامَ الأُمّة، لِيُظهِروا مفاهيمَهم وإبداعَهم وقدراتهم، وكلٌّ مِنهم يَحترمُ رأيَ الآخر. والله أعلم.
الفهم في القرآن والسنة:
    ثبتتْ نصوصٌ كثيرةٌ في مدح الفهم، وذمِّ فقدانه:
    قال الله تعالى: ]فَفَهَّمْنَاهَاسُلَيْمَان[.
    وقال الله تعالى: ]وَلَقَدْذَرَأْنَالِجَهَنَّمَكَثِيرًامِّنَالْجِنِّوَالإِنسِلَهُمْقُلُوبٌ لاَّيَفْقَهُونَبِهَاوَلَهُمْأَعْيُنٌلايُبْصِرُونَبِهَاوَلَهُمْآذَانٌلايَسْمَعُونَ بِهَاأُوْلَـئِكَكَالأَنْعَامِبَلْهُمْأَضَلُّأُوْلَـئِكَهُمُالْغَافِلُونَ[.
    وهؤلاءِ هُم الجاحدون، ومِثلُهم أَذنابُهم الذين يُردّدون ما يُلقَى عليهم.
    ولقد أخبر سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي r تَرَكَ للناس القرآنَ والسُّنَّة، وفَهْماً يَرزُقُه اللهُ للمسلم.
    وقال النبي r: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خيراً يُفَقِّهْهُ في الدِّيْنِ)) ([1]).
    أي يفهمه الإسلامَ، ومقاصدَ الشريعة، والمرادَ مِن التشريع، والمغْزى منه.
     قال زياد بن لبيد: ذَكَرَ النبيُّ r شيئاً قال: ((وذاك عند أوانِ ذهابِ العِلْم)). قلتُ: يا رسول الله وكيف يَذهب العِلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءَهم إلى يوم القيامة؟! قال: ((ثكلتك أُمّك يا ابن أم لبيد؛ إنْ كنتُ لأراك مِن أفقه رجلٍ بالمدينة!! أَوَ ليس هذه اليهودُ والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل فلا ينتفعون مما فيهما بشيء؟!!)) ([2]).
   فالمشكلةُ في فقدان الفهمِ والفِقْهِ الذي أورثَ سوءَ فَهْمِ الإسلامِ، وسوءَ إدراكهِ إدراكاً صحيحاً سليماً. وسوءُ الفهمِ سببُ كلِّ بلاء، لأنه يُنتِجُ قَلْباً للحقيقة، وتحريفاً للنصوص، ووَضْعَاً للشيء في غير محلِّهِ. فَنَشأتْ طائفةٌ سَدّتْ بابَ الاجتهاد، وتطاولتْ على الأئمةِ المجتهدين، وأَنكرتْ سماحةَ الشريعة وسعتَها ورحمتَها في اختلاف أئمتها المعتبَرين، وسَوَّتْ بين النصوص القطعية المعصومة التي لا اجتهاد فيها، وبين المسائل الاجتهاديَّة الخلافية القابلة للخطأ والصواب، ونَسَبَتْ كلَّ هذه المسائل إلى الله ورسوله، مُلَبِّسةً على الناس بقولها: (هذا حُكْمُ الله، ومَن بحث فيه أو خالفه باجتهاد فهو ضال)!!
    أمّا الذين أَحسنوا فَهْمَ الإسلامِ: فإنهم فَرّقوا بين المسائل التي لا اجتهادَ فيها، وهي معصومةٌ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين