مداخل الشيطان وخطواته (1)

أوصاف الشيطان وأعماله

إبليس لغةً: من بلس، وأبلس الرجل من رحمة الله، أي: يئس وندم، ومنه سمِّي إبليس إبليساً، وفي التنزيل:[وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ المُجْرِمُونَ] {الرُّوم:12}.

والشيطان لغة: من شَطَنَ، والشَّطن: الحبل الطويل الشديد الفتل الذي يستقى به.

والشيطان: مفرد معروف، فيقال: من شطن إذا بعُد، فيمن جعل النون أصلاً.

وقولهم: الشياطين دليلٌ على ذلك .وقيل: من شاطَ يَشيط إذا احترقَ غضباً.

وفي الشرع: إبليس جنِّي خلقه الله تعالى من نار، وجعله من سكان السماء، وأمره بالسجود لآدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين، فلَعَنه الله تعالى وأبلسه من رحمته.

وكلُّ عاتٍ مُتمرِّد طاغٍ داعٍ للشر فهو شيطان، سواء كان من الجن أو الإنس، ومنه قوله تعالى:[وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ] {الأنعام:112}.

شياطين الإنس والجن :

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا، قال: قم فصل، فقمت فصليت ثم جلست، فقال: يا أبا ذر تعوَّذ بالله من شر شياطين الإنس والجن، قال: قلت، يا رسول الله: وللإنس شياطين؟ قال: "نعم (1). فشياطين الجن من ذرية إبليس، وشياطين الإنس من ذرية آدم عليه السلام".

وإبليس هو أبو شياطين الجن، ورئيس شياطين الجن والإنس.

من أوصافه:

الرجيم: لما عصى إبليس أمر ربِّه بالسجود لآدم عليه السلام لعنه الله وأخرجه من الجنة، وقال له: [فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ] {الحجر:34}.

وقال تعالى:[ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيم] {آل عمران:36}.

وقال سبحانه:[فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] {النحل:98}.

الكافر: قال تعالى:[ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] {البقرة:34}.

الوسواس الخناس: [مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ] {الناس:4}. والوسوسة: الصوت الخفي، والوسواس: الذي يوسوس كثيراً، يدسُّ الشرور في النفوس، ويغري عليها بطرق خفية.

والخنَّاس الذي من عادته أن يَخنس ويختفي ويرجع كلما رأى مانعاً .

قال ابن عباس: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا غفل وسوس"([2]).

المَارد والمَريد: قال تعالى:[وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ] {الصَّافات:7}.

وقال سبحانه:[ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ] {الحج:3}.

والمارد: هو المُتمرِّد العاتي الشديد العتو، والمَريد: فعيل، بمعنى مارد، من مَرَد بوزن نصر، وهو المُتجرِّد للفساد.

المذؤوم المدحور: من ذأمه ذأماً، حقره وضعفه وعابه، وطرده، ومعنى المدحور: من دحره دحراً ودحوراً، أي: طرده ودفعه وأبعده بعنف.

خصائص النار:

لقد أخبر الله تعالى أنَّه خلق الشيطان من نار: [وَالجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ] {الحجر:27}. ولهذه النَّار خصائص من أبرزها:

1 ـ الكِبْر: وهو وصف يُرى في نزوع النار إلى الاستطالة والارتفاع، وقد ظهر ذلك الطبعُ في الشيطان حين أُمر بالسجود لآدم فأبى أن يكون مع الساجدين.:[ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] {الأعراف:12}.

"الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس"([3])، وبطر الحق: رَدُّه، وعدم الإذعان له، وغمط الناس: ازدراؤهم وانتقاصهم.

2 ـ العجلة والغضب: ومن صفات النَّار: الخفّة والطيش والحدَّة والإضراب.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التأني من الله والعجلة من الشيطان) ([4]).

والمتأمل في قصة امتناع إبليس عليه اللعنة عن السجود يرى أثر الغضب والعجلة في عصيانه لأمر الله تعالى.

3 ـ الإحراق والإتلاف.

ومن أوصاف الشيطان:

1 ـ الضعف: [إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا] {النساء:76}.

2 ـ الكذب والجبن: والكذب من أبرز صفات إبليس إذ أنه وسيلته لتنفيذ مخططه:[يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا] {النساء:120}.

ولقد ظهرت هذه الصفة بصورة عملية في معركة بدر عندما عزم المشركون على محاربة المسلمين فتبدَّى لهم إبليس في صورة سُراقة فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما حضروا القتال ورأى الشيطان جند الله قد نزلت من السماء، فرَّ ونكص على عقبيه([5])، وقال: [إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَابِ] {الأنفال:48}.

3 ـ الوحي بالباطل: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا] {الأنعام:112}. يمدُّ بعضهم بعضاً بوسائل الخداع والغواية ويتعاونون فيما بينهم على الإضلال.

4 ـ إنه يراكم: [إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ] {الأعراف:27}.

من أعماله:

1ـ الطعن: هو أول عمل يقوم به إبليس للإنسان عند أول خروجه إلى هذه الدنيا: قال صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بأصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب) ([6]).

قال القرطبي: هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط فحفظ الله مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها، حيث قالت: [وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ] {آل عمران:36}.

2 ـ الخمر والميسر والأنصاب والأزلام: والخمر سمِّيت خمراً؛ لأنها تستر العقل وتغطِّيه. والميسر هو القمار من اليسر؛ لأنَّ فيه أخذ المال بيسر وسهولة، والأنصاب هي الأوثان من الحجارة، أما الأزلام فكانت قداحاً مكتوباً على بعضها (افعل)، وعلى بعضها (لا تفعل)... وكل هذه الأعمال من أعمال الشيطان: [ إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] {المائدة:90}.

3 ـ بول الشيطان: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً نام ليلة حتى أصبح، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه - أو قال في أذنه -([7]).

قال الحافظ ابن حجر: (قيل: إن بول الشيطان على حقيقته، قال القرطبي وغيره: لا مانع من ذلك، وقيل هو كناية عن سدِّ الشيطان أذنَ الذي ينام عن الصلاة. وقيل معناه: إنَّ الشيطان استولى عليه واستخفَّ به حتى اتخذه كالكنيف المُعد للبول إذ من عادة المستخفِّ بالشيء أن يبول عليه) ([8]).

4 ـ ضحك الشيطان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال: ها ضحك الشيطان) ([9]).

5 ـ الإدبار: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوَّب بها أدبر) ([10]).

6 ـ السرقة: ومن أعماله السرقة، قالت عائشة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة. فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم) ([11]).

7 ـ الانتشار في بداية الليل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استجنح الليل، أو كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم) ([12]).

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

يتبع...

([1]) أخرجه الإمام أحمد 5/178، والنسائي 8/275. وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" 6/ 169: هذا إسناد ضعيف لجهالة التابعي.

([2]) ذكره البخاري في تراجمه، وابن أبي شيبة في مصنفه (35919).

([3]) أخرجه مسلم (91)، من حديث عبد الله بن مسعود.

([4]) قال السيوطي في جامع الأحاديث 11 / 390: رواه ابن أبى الدنيا فى ذم الغضب عن مجاهد مرسلاً، وسعيد بن منصور عن الحسن مرسلاً، والخرائطي فى مكارم الأخلاق ، والبيهقى عن أنس.

([5]) رواه الطبراني في "الأوسط" (9121)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([6])أخرجه البخاري (3286)، من حديث أبي هريرة ـ ويُنظر : الفتح 6/469

([7]) أخرجه البخاري

([8])ينظر الفتح 3/28

([9]) أخرجه البخاري (3289)، من حديث أبي هريرة.

([10])أخرجه البخاري (608)، ومسلم (389)، من حديث أبي هريرة.

([11]) أخرجه البخاري (751)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

([12])أخرجه البخاري (3280)، من حديث جابر رضي الله عنه.

نشرت 2011 وأعيد نشرها 24/8/2021

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين