الحياة مرح!!

عبد الله سليمان العتيق

كلما عمل المرء بجهد أشد يكون عليه أن يمرح مرحاً أشد. تيد أنتون

الحياة بذاتها قائمة على العمل، فلا تكون حياة موجودة بدون عمل، لأن العمل سكون، و السكون صورة خاصة باللا متحرك، و كون الحياة متحركة فاللا متحرك هو الموت. هذا قانون الحياة بصورة رئيسية أنها عملٌ، أيَّ نوع من العمل، سواءً عملاً معنوياً أو حسياً، روحياً أو جسدياً.
 
الصفة الأساسية في العمل هي الجدية، فالعمل الذي فيه شيء من الهزل عمل هزيل، إلا إذا كان هزلاً ناهضاً لا هزلاً ناقضاً. و الجدية تؤتي نتائجها بقدر كبيرٍ، و تمنح آثاراً ذات تمددٍ بعيد، لأنها غالباً ما تكون مبنية و مُسيَّرة على وَفْقِ خطط و خطوات واضحة وراسخة. حينما تكون الحياة و عملها بهذه الصورة، و النفس لا تقبل بهذا دوماً كان من الضروري أن يسعى الإنسان لأن تكون حياته فيها شيء من المرح، و شيء من العبث، و شيء من اللهو، ليكون التوازن، و ليكون استدعاء الجِدَّية مرةً أخرى بصورة أقوى و أوثق. وهذه من دعائم النجاح في الحياة، و النجاح في هدوء الذات.
 
المرحُ مهم جداً، و لكن الأهم فيه أن يكون متناسباً مع العمل، فلا يكون طاغياً وزائداً، و لا يكون أقلَّ، فالتناسبُ بين المرح و العمل ضروري، ففي حالة زيادة أحدهما على الآخر يكون التوازن مفقودا بصورة كبيرة، و حينما يكون ناقصاً عنه أيضاً. حالات كهذه نراها كثيراً في عالمنا، فنجد عدم التوازن السليم الصحيح بين العمل و المرح، مما جعل الخلل كبيراً و الفجوة واسعة بين الفعل و آثاره.

الذات نقطةُ البَدْءِ
لحظة قبولك بنفسك كما أنت، تحدث معجزة عظيمة: تبدأ بالتطور في الحال.

الطموح إلى المستقبل، و اشرأباب النفس إليه من صميم المغروزات في الذات الإنسانية، فهي لا تحب، و لا تقبل بأن تكون في حالةٍ دوماً، بل تتطلَّع إلى الكثير، سواء الممكن أو غير الممكن، فهي لا تنظر إلى الإمكان أولاً قبل أن تنظرَ إلى الرغبة فيه.

ليس عيباً هذا، و ليس من الخلل في التركيبة النفسية، بل هو مما تُحمد عليه، بل ربما يكون عدم وضوح ذلك من المعائب التي تُوصم بها حياة الإنسان. لكنَّ هناك ما يُمكن أن يُسمَّى عيباً، وهو عدم التوجيه لهذا الطموح، و عدم الإرشاد السليم لعملية التطور. و لا يتأتَّى الإرشاد ما لم تكنْ هناك نُقطة هي الركيزة الأساس لمعايرة ووزْنِ التقدم الذاتي.
هناك الكثيرون ينطلقون في بناء ذواتهم من خلال غيرهم، و آخرون من خلال ذواتهم نفسها، و الأخيرون قليلون، وجداً أيضاً، و هم الذين يُحققون الكثير مما يريدونه. كثيرون هم النوع الأول، الذين ينطلقون عبرَ غيرهم، و ينفذون من خلال العالَم الخارجي عنهم، و كأنهم يسيرون بقوانين الآخرين، و على خُطى مسيرهم، و هم بذلك يهدمون أنفسهم، و يقتلون ما فيهم من أصول البناء الذاتي.
 
الإنسان مخلوقٌ ذاتاً مستقلة، لا أحد من البشر، أو غيرهم، هو الأساس فيهم، و إنما هم وسائل يتوسل من خلالها إلى بناء ذاته و عالَمه الخاص، فهو له قوانينه التي سيعتمد عليها و يسير عليها في حياته، و له ذوقُه المنفرد في تعامله مع حياته، و له تلك المبادئ التي تحكُم تصرفاته، كل ذلك له لأنه لم يُخلقْ ليكون تبعاً لغيره، و إن كان تابعاً لشيءٍ فإنما هو اتباعٌ إرشاد و إعانة، لا اتباع استسلام تام بالحذافير و التفاصيل، و إلا فما قيمةَ أن يكون مخلوقاً، و في أحسن تقويم أيضاً؟!

انطلاق الإنسان الصحيح في حياته يكون مبتدئاً من ذاته، من نفسه، منه هو، لا أن يكون من غيره، فإذا ما انطلق من ذاته ومما تحويه من خفاياً أسرار قُوى الانطلاق أدرك من أسرار الحياة وما يمتلكه فيها من أشياء تضمن له تحقيق أهدافه و غاياته. مشكلتنا تكمنُ أننا كثيراً ما نضع أعيننا صوبَ ما يقوله الناس عنا، ومهما تكن نظرة الناس إلينا، ومهما كانوا قريبين أو محترفين في النظر، إلا أن نظرتهم تبقى قاصرة جداً، بل ليست شيئاً كبيراً، لأننا أعلم بأنفسنا من غيرنا.

و هذا أيضاً يعني أن ذواتنا تمتلك الكثير، مما لا يُدرك ومما لا يُمكن أن يُحصى، فالذات الإنسانية كائنٌ حي، و الحي متنامٍ متطورٌ متزيِّدٌ في الحياة، و متجددٌ في الإمكانات، فليس هو شيئاً راكداً ثابتاً لا يتحرك، لذلك فأحكامنا على ذواتنا ستتغير دوماً و أبداً، لأنها أحكام على متحرك، و الحكم على متحرك يبقى متحركاً و متغيراً.

لذلك، و لأجل أن نكون في انطلاقة مضمونة النتائج يجب أن نرضَ بأنفسنا مهما كانت، فكل نفسٍ فيها من أصول الإبداع و الإنتاج و العطاء ما ليس في النفوس الأخرى، و تلك من حِكَمِ الخلْقِ الخفيَّة، فليس من شأن الله أن يخلُقَ خلقاً لا فائدة فيه، و لاكتشاف فائدة كل إنسان لا بُد أن يقبلَ نفسَه كما هي، و قبوله لنفسه يلزم منه أن يبحثَ عنها كثيراً، و أن يتعمَّقَ في ملكوتها، و أن يتعمَّقَ في بحرها العميق، و سيجد أنه يملك الكثير، و الذي يقِلُّ وجوده عند غيره، فقط نحتاج إلى أن ننظر إلى أنفسنا نظرةَ إكبارٍ تدفعنا إلى البحث في دواخلها.

إذا أدركنا و آمنَّا بأننا نقطة الانطلاقة نحو المرادات و الغايات فإننا سننظر نظرة أخرى لأنفسنا، نظرةً تهتمُّ بالبحثِ عن الإمكانات لدينا، و عن القُدرات التي فينا، و عن المجالات التي نكون فيها مُبدعين كثيراً، هناك في تلك اللحظة سنكون الإنسان الموعود، الإنسان الذي هو الإنسان الحقيقي، و ليس الإنسان الصوري أو الإنسان الإمَّعِي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين