الصراحة والمداراة والنفاق ـ 2 ـ


1
ـ  روى الترمذي عن معاذ بن جبل: قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل قال: ثم تلا: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } حتى بلغ { يعملون } ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروته وسنامه؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: كفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون مما نتكلم به؟! فقال ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ ـ أي: ما يكون من إنتاج الألسنة،وهو جمع حصيدة بمعنى محصود ـ.


2
ـ ذكرنا ذلك الحديث، لأنَّه جامع لفضائل الإسلام وخواصه، والواجبات التي يوجبها على المسلم، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم كله طيب، وفيه الحكمة وفصل الخطاب، وذكرناه أيضاً لأنَّ فيه دلالة على مقام اللسان في الفضائل، وإنه إن كان لسان صدق كان خيراً، وإن كان لسان شر كان ما يلفظه من قول ناراً تؤجج، وتغري بالعداوة والبغضاء، وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللسان المستقيم دليل على الإيمان المستقيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يستقيم الإيمان إلا إذا استقامت القلوب، ولا تستقيم القلوب إلا إذا استقامت الألسنة، فإن اللسان المستقيم الذي ينطق بالحق، وينطق بما يجول به الخاطر في غير عوجاء  ولا لوجاء يكون معلناً للحقيقة كاشفاً لها، إذا كان ذلك في موضعه ولم يترتب عليه معاداة للحق، من غير جذوى واضحة، ولا إعلان سليم للحقائق، فقد يكون معكراً لصفوها، مثيراً غباراً حولها لهوى الناس المسيطر عليهم، ولعدم إدراكهم معاني الألفاظ، أو لتضليلهم واستهواء الباطل لنفوسهم؛ لأنهم يعالجون بالحق من غير نطق بالباطل، ومن غير كذب عليهم، ولا فتح باب للتضليل بهم، وإن ذلك مقام عظيم، لا يدركه إلا الذين يملكون أعنَّة البيان، يحولونها ويصرفونها، ويدركون أدواء النفوس، ويضعون من الدواء ما يكون قريباً إلى مألوفهم، ولا دواء إلا بالحق والصدق، ولكن تخفف جرعاته شيئاً فشيئاً، إذا كان المريض لا يقوى بدنه على احتمالها.

وقد قال في ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا تحدثوا الناس إلا بما يطيقون حتى لا يُكذَّب الله ورسوله.

  3 ـ وأنا في المقال السابق وفي هذا المقال نتكلم عن اللسان ومقامه في رفعة الحق، وانخفاض الحق به إذا التوى عن المقصد، وانحراف عن الغاية، وقد تكلمنا في المقال السابق عن الصراحة، وحدودها، ومقالها المحمود، ووضحنا الفرق بينها وبين الفظاظة، أو المفاحشة في القول، وإيذاء الناس باسم الصراحة، كما أشرنا إلى ما ينبغي اتباعه في إعلان الحق،وسياسة القول.


والآن نتكلم في المداراة والنفاق، فإنَّ كثيراً من الناس يحاول الخلط بينهما، ورمي أصحاب أحداهما بالأخرى، فمن الناس من يرمون المُدارين بالنفاق، ومن المنافقين من يدعون أن عملهم من قبيل المداراة، لا من قبيل النفاق.


فحق علينا أن نميز بينهما بما يوضح المحمود منهما، والمرذول منهما لا يحتاج إلى بيان وجه الرذيلة فيه، ولكن يحتاج إلى بيان ماهيته المنفصلة عن الآخر الذي يتمسح به أراذل المنافقين.


إنَّ المداراة مأخوذة في أصل الاشتقاق اللغوي من المداراة، سهلت فيها الهمزة، والمداراة من الدرء وهو الدفع، فالمداراة على هذا هي مدافعة الأذى وحماية النفس منه، وقد جاء في القاموس: (ودارأته داريته دافعته ولاينته ضد).


أي: داريته بمعنى دافعته مدافعة مادية، وبمعنى لاينته، وهما ضدان، وإنا أرى أنهما ليسا ضدين، بل هما متلاقيان؛ لأنَّ المداراة بمعنى الملاينة إنما هي لدفع الأذى أيضاً، وإن لم تكن مقاومة حسية، بل بمقاومة معنوية فهما متلاقيان في أصل معنى الدفع والمنع، والدرء كما يكون بالدفع المادي يكون بالدفع المعنوي كما قال سبحانه:[ وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ] {الرعد:22}.


وبهذا يتبين أن المداراة أو المدارأة تكون مطلوبة حيث يتوقع الشر، فيدفع بلين القول، وبرفق الأفعال، وذلك حيث تكون المجاهرة والمصارحة مؤدية إلى الأذى المؤكد.


وقد تكون المجاراة رجاء نفع عام، حيث يكون في المصارحة ضرر واضح، كأن تدفع المصارحة القوي إلى الاستشراء في الأذى والمبالغة في الأذى، والمبالغة في الشر، والمعاندة والإصرار في الباطل، فتكون المداراة ألزم، وتكون مقتضى الحق، ولا تكون شيئاً معانداً له.


4
ـ وقد وجد مبدأ في الفقه الإسلامي اسمه مبدأ التقية، والأصل في هذا المبدأ قوله تعالى:[لَا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ المَصِيرُ] {آل عمران:28}.


وإن هذا المبدأ نوع من المداراة وإن كان الذين قالوه أسرفوا فيه إسرافاً كبيراً، فقد كان النص وارداً في المؤمنين الذين ابتلاهم الله تعالى فجعلهم يعيشون في ظل دولة غير إسلامية، فعليهم أن ينفذوا أحكامها، من غير أن يحرفوا دينهم أو يعتنقوا غيره، وإن كان هذا لأمد محدود، إذ إنَّ عليهم أن يهاجروا إلى أرض المؤمنين، كما قال تعالى[إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(97) إِلَّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا(98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا(99) ]. {النساء}..


والمُداراة جائزة إذا كان هناك ظلمٌ شديد، لا يمكن دفعه بالمجاهرة، بل يتعرض فيه المدافع للأذى من غير نفع واضح في هذا الأذى، فقد يكون نفع في الأذى كأن يكون ذات إعلان الحق مع التعذيب في سبيله دعوة صارخة إلى الحق، وفيه على المجاهرة به، والاستماتة في سبيله فائدة، فإن النطق الصريح بالحق يكون حينئذ مطلوباً،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قال كلمة حق أمام سلطان جائر فقتله) وإن ذلك يكون حسناً إذا كان فيه دعوة للحق.


وإنَّ المداراة بمعنى السكوت عن النطق بالحق كله قد تكون سبيلاً لقرب القلوب والمودَّة بينهم، فتكون سبيلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ فيها جلب مودة الناس وإذا نلت مودتهم، سهل الوصول إلى قلوبهم، ووضع الحق في صدورهم، كما قال تعالى:[خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ] {الأعراف:199}.

وكما قال جل وعلا:[وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34}.


فالمداراة تكون أمراً حسناً في حالين: أحدهما: دفع الظلم وردُّ الأذى، إذا كان السكوت عن الحق لا يضره، أو كان في المجاهرة به ما يؤدي إلى العنت والإفراط في الظلم، وتمكين الظالم من رقاب الأبرار، وإن ذلك يكون حيث يفسد الزمان، ويطم الشر، ويكون كالوباء المستحكم، والشر المستطير المتمكن، ولا يكون في النطق بالحق أي مصلحة مُرتقبة.


الحال الثانية: إذا كان فيها بعد عن المخاصمة واللجاجة فيها، وجلب للمودة، والتراحم، وإطفاء لنيران العداوة، بالقول اللين،والكلم الرقيق، من غير استهانة بالحق في ذاته، بل يكون التساهل في النطق لأجل تثبيت دعائمه آجلاً إن لم يكن حاضراً، فالمداراة في هذه الحال وسابقتها هي لأجل الحق. وليست تقوية للباطل.


وإنَّ المداراة لا تعتبر أملاً حسناً إذا كان فيها نطقٌ بالباطل، أو مُجَاهرة به، فشرط المداراة الصادقة ألا يقع المداري في الباطل أو قول  الزور، لأنَّ المداراة موقف سلبي يحمد في بعض أحواله، وليست عملاً ايجابياً، فإنه إن عمد صاحبه إلى الإيجاب كان صراحة إن كان النطق بحق، ونفاقاً إن كان النطق بباطل، فالمداراة المُستحسنة في بعض الأحوال لا تكون كذباً، ولا تكون نطقاً بباطل، ولكن تكون سكوتاً عن النطق بالحق، حتى يكون الوقت الذي يُوافق الحق ويدعمه، ولا يتعرَّض الناطق بالحق لعائدة الباطل، والمبالغة في الإصرار إن جُوبِهَ به، فيكون ممن تأخذه العزَّة بالإثم، ولا يكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


5
ـ وإنَّ الفرق بين المداراة والنفاق واضح بيِّن؛ لأن النفاق نطق بالباطل لغش من يخاطبه، وليظهر المحبة له، وهو يضمرُ السوء والشر، فالغرض منه إفساد فكره، وتضليل عقله وعلمه، وإظهار النصرة، حيث يخفى العداوة والبغضاء، فهو في جملته الغرض منه إفساد الأمر على من هو أهل للأمر، وهو يُريد الخبال لمن يدهن له في القول. أما الغرض من المداراة فدفع الأذى أو جلب المودة.


وإنَّ المنافق يكذب دائماً، وقد جعلَ النبي صلى الله عليه وسلم من أمارات النفاق الكذب في الحديث حتى عندما يريد الحديث من غير إرادة إفساد، بينما المُداراة لا يدخلها الكذب، وقد يدخلها مَعَاريض القول، فيترك التصريح إلى التعريض، ويجد من متسع الحيلة ما يمكنه أن يصرف القول تفصيلاً مُعْتمداً على غفلة القوي، أو إحياء طبيعة الرفق في قلب محدثه، لتمتد المحبة بينهما، أو ليجتذبه إلى الحق.


وإنَّ المنافق يَفْجُر دائماً في المُخاصمة، وتلك من أمارات النفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الفجور في الخصومة من آياته، فقال عليه السلام وإذا خاصم فجر، والمداراة مسالمة واتقاء للنفرة والخصومة، وإيثار للعافية والسلامة.


وتعجبني في هذا المقام كلمة قالها بعض الصالحين في التفرقة بين النفاق والمداراة، أو التودد للناس قال: النفاق إظهارٌ لجميل، وإبطان القبيح، وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر. ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر، فليس بمنافق؛ ألا تسمع إلى قوله تعالى:[وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34}. فهذا استمالة ودفع عداوة وإطفاء لنيران الحقد، وإنماء للود، وإصلاح للنفوس، وهو طلب المودات واكتساب الرجال.


6
ـ وفي الحق أنَّ الفرق بين المداراة والنفاق كبير، ولكن الحاجز في النفس بينهما ليس حاجزاً حصيناً لا يقتحم.

فمن الناس من يبتدئ أمره في المُعاملات بين الناس، وفي أوامر الله تعالى واستنكار المنكرات، والدعوة إلى الحق بالمداراة، ثم ينحدر منها إلى النفاق من حيث لا يشعر... من الناس من يدارون الأقوياء في الحقِّ لحاجة عرضية، ثم ينتهون بالاستخذاء والضعف، ولذلك يجب أن يراقب كل امرئ نفسه مراقبة دقيقة، فلا يُظهر غير ما يبطن قط، ولكن قد يسكت عن الحق لا رغبةً عنه، ولكن مُدارة للمفسدين، واتقاءً لأذاهم وتلك ضرورة تُقدَّر بقدرها.


7
ـ وهنا يثور بحثٌ أيهما أولى بالمؤمن؟ المصارحة أو المدارأة؟

ونقول في الجواب عن ذلك: إذا كانت المداراة لجلب المودَّة والمحبَّة،ومن ورائها الوصول إلى الحقِّ في رفقٍ فإنَّ المُداراة أولى إذا أوصلت إلى هذه الغاية؛ لأنَّ الغاية نُصْرَة الحقِّ، وهي مطلوبة فكل ما يوصل إليها مَطْلوب، إذ أن الوسائل تأخذ حكم غاياتها.


وإذا كانت المدارأة موضوعها ما فيها أمر بمعروف ونهي عن منكر، ويتحمل الأذى إن صارح، هنا نجد خلافاً واضحاً بين الفقهاء، فالإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يشترط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يَأمن على نفسه وماله، وألا يخافَ التلف، ويروى في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حيث رواه في مسنده، ورواه ابن ماجه والترمذي: لا ينبغي أن يذل نفسه، قيل كيف يذل نفسه ؟ قال يتعرض من البلاء مالا يطيق).


وقال بعض العلماء أن هذا رأى الجمهور، وحكى القاضي عياض عن المالكية أنهم يرون وجوب الجهر بالحق مطلقاً، أي: أنَّه يجب الإنكار والأمر في ذلك إلى كياسة المرشد، وحسن درايته، فقد يتخذ المعاريض سبيلاً للإنكار، وقد يتخذ المصارحة، وهو يلبس لكل حال لبوسها، ولكنه ينكر على كل حال، وإلا إذا كان كذلك يتحمل ما يُطيق ولا يَدخل في عموم النهي في الحديث الشريف.


وهناك رأي يرى وجوبَ الموازنة بين الضرر الذي يَنزل، والنفع الذي يترتَّب على المُصارحة والمُجاهرة فأيهما كان أكثر اتبعه، فإن كان النفعُ أكثر اتبعه، وإن كان الضررُ أكثر اجتنب من غير رضا، وإن تساويا كان له الاختيار، وأنا أرى أنَّه في هذه الحال يجب أن ينطق.


ولا يعد من الأذى الذي يمنع المجاهرة بالحق السب والشتم، وإن ذلك رأي الإمام أحمد رضي الله عنه؛ لأنه لا يخلو الناطق بالحق من ذلك غالباً، وبين أيدينا ما نحن فيه من تعرض الناطق بالحق للسفهاء من غلمان الصحافة، فإنه لو سكت لأصواتهم النابحة، ولنعيقهم المستمر الذي يُجابهون به أهل الحق لفسدت الأفكار، وما وجد صرحٌ للحقِّ يُقام، وإنَّ الله سبحانه وتعالى قدر عند الأمر بالمعروف أن الآمر سيناله الأذى، ولذلك قال سبحانه:[يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] {لقمان:17}.


8
ـ وإنَّ الناطق بالحق إذا سكت بسبب تعرضه للشتم والسب، فإنَّه يعم الفكر الخبيث، ويختفي الكلم الطيب، وفي الناس من يقول للناطق بالحق لماذا تكثر من القول والناس لا يسمعون،ولجاجة الشر قوية، أليس الأولى أن تصمت، وفي الصمت راحة وعافية، وبعد عن الأذى والعداوة؟.

 

ونقول في الجواب عن ذلك: إنَّ الناس أفضل مما يظن أولئك المثبطون المخرصون، فإنه لا يخلو وجه الأرض من مُستمع للحق مُتَّبع له، وإنه كان من قوم فرعون المؤمن الذي أيَّد موسى في عصر الطاغوت الفرعوني، وإنَّه لابدَّ أن ينطق الداعي، فإن لم يسمعه الحاضرون، فسيسمعه القابلون، ولقد قال سبحانه في أمثالهم:[وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ] {الأعراف:165}.


اللهم وفِّقنا لقول الحق، وأفرغ علينا صبراً، وثبِّت أقدامنا إنَّك عزيز حكيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين