خطبة الجمعة في ميدان التحرير للشيخ القرضاوي

الحمد لله الذي هدانا لهذا ومكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك, لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد, الحمد لله ناصر المؤمنين, ومذل الكافرين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, نحمدك اللهم ونشكرك, ونخلع ونترك من يفجرك, لا إله إلا أنت, لا إله إلا الله وحده, صدق وعده, ونصر عبده, وأعز جنده, وهزم الظالمين وحده, أشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له, نشهد أن لا إله إلا انت, مالك الملك, تؤتي الملك من تشاء, وتنزع الملك ممن تشاء, وتعز من تشاء, وتذل من تشاء, بيدك الخير إنك على كل ....


ونشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله, صلوات الله عليه وسلامه, وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين, وخصوصا أولي العزم من الرسل, نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى, عليهم صلوات الله عليهم أجمعين, ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد فيا أيها الإخوة:
يا أبنائي وبناتي, ويا إخواني وأخواتي, ويا أحفادي وحفيداتي, من أبناء مصر, جرت عادة الخطباء في الخطب, أن يقولوا: أيها المسلمون, وأنا أقول في هذا الميدان: أيها المسلمون والأقباط, يا ابناء مصر, هذا يوم أبناء مصر جميعا, ليس يوم المسلمين وحدهم, أناديهم من هذا المنبر, ومن هذا الميدان, ميدان التحرير, بل هو منذ اليوم يجب أن يسمى: (ميدان شهداء ثورة خمسة وعشرين يناير), يا أيها الإخوة, أناديكم من فوق هذا المنبر, ومن ميدان ثورة الخامس والعشرين من يناير, هذه الثورة التي علمت الدنيا كيف تكون الثورات, لم تكن ثورة عادية, ولكنها كانت ثورة معلمة, الشباب الذي انتصر في هذه الثورة, لم ينتصر على مبارك فقط, انتصر على مبارك, وانتصر على الظلم, وانتصر على الباطل, وانتصر على السرقة, وانتصر على النهب, وانتصر على الأنانية, وأقام حياة جديدة بهذه الثورة, أنا أول من أهنئ,أهنئ هذا الشباب الذي ظن بعضهم أنه لن ينتصر, وأنا في الخطبة الماضية أقسمت على المنبر, أقسمت بالله العظيم أن هذه الثورة ستنتصر, وأن هذا الشباب لن يخذل أبدا, لأني أومن بسنن الله التي لا تتخلف, وأومن بوعد الله الذي لا يكذب أبدا, وقد وعد الله بنصر المؤمنين, ووعد الله بإظهار الحق على الباطل, {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}, لا يمكن أن ينتصر الباطل على الحق, دولة الباطل ساعة, ودولة الحق إلى قيام الساعة, {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.


كان لا بد لهذه الثورة أن تنتصر, وأن ينتصر أبناؤها المؤمنون, على ذلك الطاغوت, على ذلك الفرعون الذي هدد وتوعد, ولكن مصر حينما تؤمن لا تبالي بتهديد فرعون, { قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ} [طه: 71], وهكذا قال الفرعون: أثرتم قبل أن آذن لكم بالثورة! لا يجوز للعقول أن تقتنع, ولا للقلوب أن تؤمن ولا لجوراح أن تتحرك قبل أن يأذن الفرعون, أثرتم قبل أن آذن لكم بالثورة! {آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ} [الشعراء: 49], إن مصر حينما آمنت قالت لفرعون متحدية: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72], انظروا إلى الإنسان حين يؤمن, والإنسان قبل أن يؤمن, السحرة الذين جمعهم فرعون من كل أنحاء مصر, ألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون غنا لنحن الغالبون, وقالوا لفرعون: {قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}[الشعراء: 41], فيه مال؟ {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:42], فيه فلوس ومناصب ومنافع كثيرة, ماذا قال هؤلاء المصريون الأصلاء حين آمنوا وظهر لهم الحق؟ {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [طه: 72-73].


هذه مصر حين تؤمن, لهذا رأينا هذا الشباب, من أنحاء مصر, من كل الطبقات, أغنياء وفقراء, ومتعلمين وأميين, وعمالا ومثقفين, وكان الأكثرية من المثقفين والمتعلمين, ذابت الفوارق بينهم, أصبحوا شيئا واحدا, صهروا في بوتقة واحدة, مسلمين ومسيحيين, ورجلا ونساء, وشبابا وشيوخا, كلهم أصبحوا وحدة, كلهم يعملون من أجل مصر, وتحرير مصر, من الظلم والطاغوت, وكان لا بد لمصر أن تتحرر, لأن هذا الشباب أراد, وإذا أراد الشباب فإرادته من إرادة الله, كنا نحفظ من قديم شعر أبي القاسم الشابيّ:


إذا الشعب يوما أراد الحياة      فلا بد أن يستجيب القدر 


وكان بعض الناس يقول: هو القدر تابع للناس؟! نعم, الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11], غيِّر ما بنفسك, يغير الله حالك, ويغيِّر ما بك, تغيَّر الشعب, فغيَّر الله ما به, صبر الشعب وضحى, لقد نزع منه الخوف, كان الفراعنة من قديم يخوِّفون الناس, ينتصرون بارعب, يقذفونه في قلوب الناس, ولكن الناس لا يبالوا بفرعون, ولا بهامان ولا بقارون, ولا بأمن الدولة ولا بالتعذيب, ولا بالخيل ولا بالبغال ولا بالحمير, ولا بالقناصين, ولا بالهروات ولا بالبلتوف, ولا بشيء من هذا كله, أصر الشعب, أصر شباب الثروة على يستمر هذا كله, فحقق الله آماله, وحقق الله أهدافه, تهنئتي لهذا الشعب, ولهذا الشباب الثائر, الذي أود أن أقبل أيديهم واحدا واحدا, لأنهم رفعوا رؤوسنا بما حققوا, بما صبروا وصابروا ورابطوا, هؤلاء الشباب هم الذين صنعوا هذه الثورة, وقدموا للناس المثل العليا, أناأعتبرهم كأنهم الأنصار, الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}, الأنصار الذين وصفوا بأنهم يكثرون عند الفزع, ويقلون عند الطمع, الذين كانوا يضحي أحدهم من أجل بعض, يجوع أحدهم ليشبع أخوه, يتعب أحدهم ليرتاح أخوه, يسهر أحدهم لينام أخوه, يؤثره بالفراش والطعام والشراب على نفسه, هؤلاء هم شباب مصر.


أوصي هؤلاء الشباب أن يحافظوا على هذه الروح, إن الثورة لم تنته, إن الثورة بدأت تنتج, لا تظنوا أن الثورة انتهت, اعتبروا أن الثورة مستمرة, لأنها ستشارك في البناء, في بناء مصر الجديدة, مصر التي تعلمت من هذه الثورة الشيء الكثير, اصبروا على ثورتكم, وحافظوا عليها, إياكم أن يسرقها منكم أحد, حافظوا على هذه الثورة, احذروا من المنافقين الذين هم مستعدون أن يلبسوا كل يوم شيئا جديدا, ويتكلموا بلسان جديد, {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14], كانوا بالأمس ضد الثورة, واليوم مع الثورة, احذروا من هؤلاء, أقول للشباب: حافظوا على ثورتكم, وكونوا على يقظة لهذه الثورة, هذا ما أطالب به أبنائي, شباب هذه الثورة أن يستمروا في ثورتهم, وأن يحافظوا على وحدتهم, إياكم من يدخل بينكم ليفسد هذه الصلة الطيبة, وهذه الأخوة التي جمعت بينكم في هذا الميدان, هذه كلمتي إلى شباب الثورة.


وكلمة أخرى إلى الشعب المصري, الشعب المصري كله, الشعب العظيم, الذي ذكره الله في القرآن, تصوروا أن القرآن لم يذكر بلدا باسمه إلا بلدين: بلدا ذكرها في مناسبة معينة هي: (بابل), وسحر بابل, و(مصر) ذكرها خمس مرات في القرآن الكريم, لا يوجد بلد ذكر في القرآن مرات إلا هذا البلد, الذي قال الله فيه: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}, وشاء هؤلاء المبطلون أن يدخل أحد مصر إلا خائفا, بدلوا أمنه خوفا, وشر ما يصاب به مجتمع الجوع والخوف, وهم جمعوا على الناس الجوع والخوف, كانوا هم يسمنون, وشعب مصر يضيع من الهزال, كانوا يسرقون الملايين, وشعب مصر يتقاضي مرتبه بالملالين, هم ينهبون البلد نهبا, ويهربونها إلى الخارج, قالوا: إن ما نهب من مصر خلال هذه السنوات, ثلاثة ترليون دولار, هذه الأموال لو رجعت, أو رجع نصفها أو ربعها إلى مصر, لسدد ديون مصر, وغطت المشاريع لبناء مصر في المستقبل, فأقول للشعب المصري: هنيئا لك أيها الشعب العظيم, الذي اعتنق المسيحية فبذل الآلاف أرواحه ودماءه من أجل المسيحية, وحاربوا الرومان وهم مسيحيون مثلهم, ولكنهم خالفوهم في المذهب, كانت هناك عصور تسمى: (عصور الشهداء), فلما اعتنق الإسلام كان فداء لهذا الإسلام, حارب الصليبين, وأسر ملكهم: (لويس التاسع), في المنصورة, وحارب التتار في معركة: (عين جالوت) في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ, قادها الملك المملوكي (المظفر سيف الدين قطز), انتصر على التتار الذين لم يكن أحد يقف أمامهم, انتصر عليهم جيش مصر.


مصر التي كانت قبلة الثقافة الإسلامية طوال العصور الماضية, قبلة للعلوم الإسلامية وللغة العربية, مصر أيها الإخوة انتصرت في هذه الثورة.
وانتصرت على ما كان يسمى: (الطائفية), في هذا الميدان, ميدان شهداء الخامس والعشرين من يناير, وقف المسيحي مع المسلم جنبا إلى جنب, وأذكر أمس وانا قادم من قطر, جاءني شاب وقال لي: أنا فلان الفلاني, من مصر, وأنا مسيحي, وأنا ممن يتابعك في برنامجك (الشريعة والحياة), ويتابع خطبة الجمعة من قطر, وأنا أعتز بك وأنت تدعوا إلى وحدة الأمة, وانت وأنت, فقلت: الحمد لله عز وجل.


في ميدان التحرير كان الإخوة الأقباط يقفون يحرسون إخوانهم المسلمين حين يصلون, وأنا أدعوهم اليوم, لا إلى أن يحرسوا إخوانهم بل أن يسجدوا مع إخوانهم المسلمين شكرا لله تعالى, فالسجود مما يعمل به المسلمون والمسيحيون معا, في هذا الميدان انتفت هذه الطائفية الملعونة, وذكر الأستاذ الكاتب الساخر (أحمد رجب) بالأمس أنه زار ميدان التحرير, ووجد فتاة مسيحية تصب ماء الوضوء على رجل مسلم, فقال: الآن نجحت الثورة.


كانت حفيدتي تقود جيلا من الشباب يغسل وينظف الميادين, ويدهن بعض الجدران التي تحتاج إلى دهان, فمر عليهم قسيس, فقال لهم: هل تحتاجون إلى مساعدة؟ قالوا له: تفضل, فأخرج لهم مبلغ مئة جنيه مصري وقال: هذه مساعدتي لكم, فقبلوها منه واشتروا بها بعض ما يحتاجون للدهانات من فرش وغيرها.


هذه هي الروح المصرية, الروح التي تسع الجميع, أنا أرجو من شعب مصر أن يتمسك بهذه الوَحدة, وحدة الصف, ليس هناك تعصب, كلنا مؤمنون, يجب أن نعمِّق إيماننا بالله, كلنا مصريون, كلنا ثائرون على الباطل, كلنا غاضبون للحق, يجب أن تظل هذه الروح, يا أيها الإخوة والأخوات, ويا أيها الأبناء والبنات.


وكلمة إلى جيش مصر, أنا أحيي جيش مصر, أحيي هذا الجيش, فهو درع هذا الشعب وسنده وظهره, وقد قال لي بعض الإخوة: لا تسرف في مدح الجيش, ربما يخيِّب ظنك, ولا ينصر الثورة, فقلت له: والله لن يخيبوا ظني, وحينما خطبت الخطبة الماضية, بعد البيان الأول الذي صدر, وقد أصاب كثيرا من الناس بالإحباط, قلت: إنني مؤمن أن جيش مصر لن يكون أقل وطنية من جيش تونس, جيش تونس نصر ثورة تونس, وجيش مصر الذي دخل أربعة حروب من أجل مصر, ومن أجل فلسطين, هذا الجيش لا يمكن أن يخون بلده, لا يمكن أن يضحي بالشعب من أجل شخص واحد, هذا الجيش أشرف وأعقل من أن يفعل ذلك, وأقسمت أ، الجيش سينضم إلى الشعب, وانضم الجيش فعلا إلى الشعب, وأصدر هذه القرارات التي رأيناها, وأعلن الجيش من أول يوم أن حق التعبير السلمي مكفول للشعب, وأنها ثورة سلمية, وأعلن أنه يتفهم مطالب الشعب, وأنه لم ولن يمد يده, ولن يستخدم القوة ضد أبناء الشعب المتظاهرين والثائرين, هذا الجيش أعلن أنه ليس بديلا عن الشرعية التي يريدها الشعب, ويرتضيها شباب هذا الميدان, كما أعلن أنه متمسك بالحرية والديمقراطية, وأنشأ هذه اللجنة لتعديل الدستور في عشرة أيام, أي أنه مستعجل أن تتغير الحياة إلى حياة مدنية, هذه اللجنة التي يرأسها هذا الرجل الفاضل المستشار القانوني المؤرخ المفكر المعتدل المنصف المستشار: (طارق البشري), نحن نريد من هذه اللجنة أن تؤدي دورها بأسرع ما تكون, ونطالب الجيش المصري أن يحررنا من الحكومة التي ألفها مبارك في عهده, نريد حكومة جديدة ليس فيها أي وجه من هذه الوجوه التي لم يعد يطيقها الناس, إن الناس كلما رأوها تذكروا الظلم, وتذكروا القتل, وتذكروا الباطل, وتذكروا غزوة الخيل والبغال والجمال والحمير, وتذكروا القناصة التي تقتل الناس, وتذكروا السيارة التي تدهس الناس, يميمنا وشمالا ومن خلف, عشرون قتيلا دهستهم هذه السيارة, لا نريد أن نرى هذه الوجوه, نطلب من الجيش ومن قيادته أن تحررنا من هذه  الحكومة, وأن تنشأ حكومة مدنية من أبناء مصر, وما أكثر أبناء مصر الشرفاء الذين لم يرتكبوا مثل هذه الجرائم, نطالب الجيش أيضا أن يفرج فورا عن المعتقلين السياسيين, والمسجونين السياسيين, الذين ضمتهم السجون وعاشوا سنين طوالا في السجون, بحكم محاكم عسكرية, أو محاكم طوارئ, لاتقيم بينة ولا تهتم بالحق, آثار هذه المحاكم يجب أن تزول, لا أريد لجيشنا الباسل والشريف أن يتحمل إثما, كل يوم بل كل ساعة تمر وهؤلاء في السجون يأثم كل من تسبب فيها, ومن لم يُزل هذا الظلم, مادمت تقدر على إزالة هذا الظلم فلا بد أن يزول هذا الظلم.


قبل أن أتم كلامي أريد أن أتوجه إلى أبناء مصر, فأنا أعرف أن أبناء مصر ظلموا كثيرا, والفئات المختلفة من الغمال والفلاحين والموظفين طالما ظلموا, ولكن الله لم يبن اليوم في يوم ولا في ساعات, بل بناها في ستة أيام, وكان قادرا أن يبنيها بكن فيكون, ليعلمنا الأناة والصبر والتحمل, لا بد أن نصبر قليلا.


أنا أنادي كل من عطّل العمل, وأضرب أو اعتصم, أن يؤكد هذه الثورة بالعمل, مصر تريدك أن تعمل, الاقتصاد المصري يتأخر يوما فيوم, ولا يجوز لنا نحن الذين أيدنا الثورة أن نكون سببا في تأخير بناء مصر, في تأخير اقتصاد مصر, بل يجب أن نقنع كل إخواننا الذين يُضربون, والذين يعتصمون, أن يصبروا قليلا, وأنادي الجيش أن يتصل بهم ويطمئنهم, ويعدهم بأنه يبدأ بالفعل, هذا ما نريده لمصر, أن تبدأ في مرحلة البناء, وكل أبناء مصر الآن مستعدون أن يبنوا, كل واحد مستعد أن يمسك حجرا, وأن يبني شيئا في هذا البلد, وأنا أنادي أبناء البلد جميعا أن يعملوا للبناء, نحن في مرحلة جديدة, مرحلة يحق فيها الحق, ويبطل فيها الباطل, ومن حق المصريين جميعا أن يأخذوا حقوقهم, وأن ينالوا ما يستحقون, وأن يُنصفوا, ولكن من حقنا أيضا أن نصبر على إخواننا في الجيش, حتى تتحقق الآمال كلها, واحدا بعد آخر, {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.


ادعوا الله تعالى يستجب لكم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58], نسأل الله عز وجل أن يجعل يوم هذه الأمة خيرا من أمسها, ويجعل غدها خيرا من يومها, اللهم أكرمنا ولا تهنا, وأعطنا ولا تحرمنا, وزدنا ولا تنقصنا, اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا .......
اللهم افتح لهم هذا البلد فتحا مبينا, اللهم اهدهم له صراطا مستقيما, اللهم انصرهم نصرا عزيزا, اللهم أتم عليهم نعمتك, وأنزل...........
اللهم طهر أقوالنا من اللغو.............
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.......
وفي ختام دعائي هذا أقول كلمة للأنظمة الحاكمة في البلاد العربية: لا تكابروا, لا تناطحوا المريخ, ولا توقفوا التاريخ, لن يستطيع أحد أن يحارب الأقدار, ولا أن يؤخر طلوع النهار, الدنيا تغيرت, والعالم العربي تغير من داخله, فلا تقفوا أمام الشعوب, حاولوا أن تتفاهموا معها, لا تضحكوا عليها, لا تحاولوا أن تأخذوها بالكلام الفارغ, حاوروها محاورة حقيقية, لا بالترقيع, لكن بالعمل البناء, العمل البناء يضع الأشياء في مواضعها, ويحترم عقول الناس, ويحترم عقول الشعوب, هذه رسالتي إلى حكام العرب.
ورسالتي إلى إخواننا في فلسطين, أنا عندي أمل, أن الله كما أقر عيني بنصر مصر, أن يقر عيني بفتح المسجد الأقصى, وأن يهيئ لي أن أخطب في المسجد الأقصى, اللهم هيئ لنا أن نخطب في المسجد الأقصى, أن ندخل المسجد الأقصى آمنين, غير خائفين ولا وجلين ولا مفزَّعين, اللهم حقق لنا هذا الفتح المبين, يا أبناء فلسطين ثقوا أنكم منتصرون, سيفتح معبر رفح لكم, وهذا ما أطالب به الجيس المصري, والمسجد الأعلى للقوات المسلحة, افتحوا معبر رفح, افتحوا ما بيننا وبين إخواننا, فغزة من مصر, ومصر من غزة, يجب أن تكون مصر حصنا ودرعا, مصر التي حاربت أربع حروب من أجل فلسطين, لا ينبغي لها أن تقطع الطريق, لا بد أن تفتح المعابر التي في أيدينا, خصوصا معبر رفح, نفتحه للقوافل التي كانت تمنع من إغاثة إخواننا, هذا ما أطالب به جيشنا العزيز الباسل الشريف, أسأل الله أن يهيئ لنا  من أمرنا رشدا, ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.........
وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وأقم الصلاة.
أيها الإخوة المصلون: هذا الزحام المبارك, حوالي ثلاثة مليون, يجوز لمن لم يستطع أن يصلي أمام الإمام, الإخوة الذين يصلون في الملم يجوز, ومن لم يجد مكانا يسجد فيه, فليسجد على ظهر أخيه, هنا الزحمة رحمة, هذه رحمة إن شاء الله, وسنصلي الظهر والعصر معا إن شاء الله.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين