يا علماء السلطان اتقوا الله واعتبروا!!

يا علماء السلطان اتقوا الله واعتبروا!!

لقد تألمت أشد الألم، وحزنت أشد الحزن، وأحسست بجرح الكرامة حين قرأت في جريدة الحياة الصادرة بتاريخ 11/3/2011 الموافق 26/3/1432 العدد 17497 صفحة 11 تحت عنوان: (القذاذفة يبحثون عن قشة نجاة لدى علماء دين سعوديين) وخلاصة الكلام المنشور أن بعض أنجال الطاغية الليبي حاولوا استثمار علاقتهم الودية السابقة مع بعض علماء السعودية ليصدروا بيانات بتأييد القذافي الأب، وحرمة الخروج عليه، وطلبوا منهم إصدار أي كلمة تطفئ غضبة الشعب الليبي ، ولكنهم رفضوا ذلك بحمد الله، وانتصروا للشعب الليبي البطل الذي عانى طويلاً من الظلم والقهر والتهميش ، فما كان من (سيف الإسلام) القذافي إلا أن غضب وهو الذي اعتاد أن لا يُرَدَّ له طلب فشتمهم بأقذع شتيمة وقال كلمة فاجرة: (هؤلاء المشايخ كانوا يأتوننا ويمسحون أحذيتنا) [كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا] {الكهف:5}والعلماء الذين سَمَّت الصحيفة أسماءهم، هم أكرم وأعز من أن يُنسَب إليهم هذا الفعل الشائن ، فقد عرفناهم أعزة كراماً أحراراً، نعرف ذلك من سيرتهم وتاريخهم ولا نزكيهم على الله، نعرف أنهم وفي أكثر من مرة، رفضوا أن يُساوِموا على دينهم ودعوتهم ورسالتهم ، حين قُدِّمت لهم المناصب والمنافع والإغراءات التي يسيل لها لعاب علماء السوء .
 
 وأنا إذ أقدِّر أن مثل هذا الكذب المفضوح لن ينال من مكانة الشيوخ الأجلاء، لكنني أتوقع أن تتحوَّل هذه الأكذوبة إلى مادة إعلامية دسمة للصحف العلمانية ، وللكتاب العلمانيين الذين يستغلون أيَّ خبر يُروَى عن علماء الأمة ، ودعاتها الأبرار، تعبيراً عن حقدهم على الإسلام ودعاته ، ويكفي أن نتذكر فحيح الأفاعي، واستغلالهم البشع، ومقالاتهم المسموعة لخبر مصدره إسرائيل أن أحد مسؤوليها طالب السيء الذكر (نتنياهو) أن يرسل مَن يفاوض الشيخ القرضاوي للحد من آثار هجومه على إسرائيل.
 
ولما كان العلم رحِماً بين أهله... لذا فإني أناشد علماء السلطان في كل مكان ممن وظَّفوا علمهم وفتواهم لصالح الحكام والسلاطين أن يتقوا الله في دينهم وفي أمتهم ، وأن يخافوا الله والدار الآخرة فيما يصدرون من فتاوى لصالح الباطل وأهله ، وما يُقدمونه بين يدي الحكام من مديح وثناء ، ولْيعتبروا بما قاله نجل القذافي كذباً في حق العلماء الكرام من عبارات مسيئة وكلمات فاجرة ، والحمد لله إذ ليس لديه أي إثبات... لكنَّ فتاوى علماء السلطان وخطبهم كلها مسجلة مثبتة عند الله أولاً، ولدى أجهزة الإعلام والمخابرات ثانياً وهي في ذاكرة الناس المظلومين ثالثاً ، وسيدفعون ثمنها عاجلاً أو آجلاً، ولَعذاب الله أشد وأبقى [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ] {البقرة:ـ 204 206}. ورحم الله الإمام الغزالي حينَّ شن حملة شديدة في مقدمة كتابه العظيم «إحياء علوم الدين» وكان مما ذكره من آثار : «إنما تفسد الرعية بفساد الأمراء ، ويفسد الأمراء بفساد العلماء ، ويفسد العلماء بغلبة الدنيا عليهما»«صنفان إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس الأمراء والعلماء»
 
يا علماء السلطان! والله إنا لنحب لكم الخير ، ونرجو لكم النجاة يوم القيامة ، هؤلاء الحكام الذين تساومونهم على دينكم، وتطلقون من الأحكام والفتاوى ما يوافق هواهم، وتدبِّجون الكلمات في مديحهم والثناء عليهم، ليسوا أهل وفاء!! قد تنالون شيئاً من فُتاتهم الذي يقدمونه لكم  من المال الحرام، ومن لقمة الشعوب، وعرق جبين الكادحين من أبناء الأمة. لكنهم في النهاية يبيعون عملاءهم وأنصارهم بأبخس الأثمان ، وما خبر عملاء الطاغيتين الآثمين (حسني مبارك وزين العابدين بن علي) عنكم ببعيد ، لقد فروا بأنفسهم وأولادهم وأموالهم وتركوا وراءهم عملاءهم ليلقوا مصيرهم على أيدي الشعوب الغاضبة الثائرة وصدق الله القائل [إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ(166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ(167)]. {البقرة}.. [وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {إبراهيم:22} .
 
يا علماء السلطان! : إنكم لتعلمون قبل غيركم أن الله سبحانه أكرم العلماء وأعزهم ، وجعلهم في أعلى مقام ، وأعطاهم حق الإمامة والقيادة ، وجعلهم من ولاة الأمر ، وأَمر الأمة حكاماً ومحكومين أن يطيعوهم فيما يبلغونهم عن الله ، وفيما يأمرونهم من أمر الله ، فلا تفجعوا الأمة بكم ، ولا تفقدوهم الثقة بعلمكم وقيادتكم. ولا تعطوهم القدوة السيئة، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
إن الأكابر يحكمون على الورى                    وعلى الأكابر يحكم العلماء
 
يا علماء السلطان!: إنكم لتعلمون قبل غيركم أن علماء الأمة هم صمَّام الأمان لشعوبهم ، هم قادة الإصلاح ، هم ورثة الأنبياء ، هم المؤتمنون على إقامة دين الله ، وتطبيق شريعته،  والنصح لولاة الأمر :.[وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ] {السجدة:24}.
ماذا يبقى للأمة من أمان إذا أدار العلماء ظهورهم لهذا التكليف الرباني المتمثل بقوله سبحانه:[ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ] {آل عمران:79} ؟. وما أصدق الشاعر حين قال:
 
يا أيها العلماء يا ملح البلد             ما يصلح الملح إذا الملح فسد؟
ويقول شاعر آخر:
 
بالملح يصلح ما يُخشى تغيُره        فكيف بالملح إن حلَّت به الغير.
 
يا علماء السلطان!: اللهَ... اللهَ في دينكم!!! اللهَ... اللهَ...فيما استرعاكم ربكم من أمانة!! اللهَ... اللهَ...في شعوبكم التي تعاني القهر والجور والظلم!! اللهَ... اللهَ...في أمتكم التي ذاقت الذل والهوان والهزيمة في ظل أنظمة علمانية كافرة مستبدة تتحكم في مصير البلاد والعباد من عقود طويلة وترفض أن تحقق للأمة ما ترجوه من حكم الله وشريعة الله وهي التي ترفع صوتها عالياً : الإسلام هو الحل.
                                                                                                                                           الأمين العام لرابطة العلماء السوريين
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين