شعب ليبيا يريد إسقاط الاستبداد

ثورة ليبية الهوية والأسباب والتضحيات


بقلم : نبيل شبيب


ثورة ليبية.. منطلقا ومسارا
شعرة فاصلة بين الجنون والدهاء
وقود الغضب
الاستبداد ملّة واحدة
سقوط "الجماهيرية الاستبدادية"
إنّنا نعايش هذه الأيام كيف تكتب ليبيا تاريخها من جديد، بحروف من نور، بمشاهد تجمع بين البطولات والتضحيات، والآمال والآلام، والثبات والإقدام.. مقابل صورة صارخة لا يكاد يمكن تصديقها من وحشية الحاكم المستبد، وهو يوظّف همجيّة مرتزقته ومَن روّضهم على قتل أبناء بلدهم، ليلوّث بدناءة الجبروت العاتي أرضَ عمر المختار ورفاقه على درب الإباء والوطنية والجهاد والاستشهاد.
نعايش لحظة من اللحظات البطولية المأساوية، مع أهل ليبيا حيثما ثار أطهارها، وهم لا يملكون سوى إرادتهم وصدورهم، لينتزعوا لأنفسهم ما سُلب منهم، من الكرامة والحرية والحقوق، وليقتلعوا من الجذور ما جثم فوق صدورهم، من استبداد فاسد.
هي لحظة تاريخية يصنعها شعب مجاهد ثائر في شرق أرضه وغربها، في قلب بنغازي وجوانح طرابلس، في ميادين البيضاء وأحياء الزاوية، في درنة ومصراته، في طبرق وأجدابيا.. في كل مكان يشهد على بسالة الأبرار وسموّ ما يبذلون من أجله كلّ ما يملكون، أبطالا عزلا في وجه إجرام يبطش بما يملك من أسلحة فتاكة، فلا يتوقفون عن المضيّ بثورتهم، إلى أن يستأنفوا بها مسار عجلة التاريخ بليبيا من جديد، بعد أن أوقفها الاستبداد لعدة عقود، ومضى بها من عالمٍ معاصرٍ نحياه، إلى عالم كالبرزخ، تلتقي فيها بوائق الهمجية الصارخة مع شطحات العبثية الشاذة.
ثورة ليبية.. منطلقا ومسارا
يخطئ من يرى في ثورة ليبيا محطة ثالثة فحسب -بعد تونس ومصر- في طريق استرداد إنسانية الإنسان على امتداد الأرض العربية والإسلامية.. ولا ينبغي التساؤل طويلا عمّا جعل ليبيا تحتلّ هذه المكانة من مسلسل ما تسمّيه نوارة نجم التحرّر من "احتلال داخلي"، فمهما كان من أثرٍ لشرارة أو عدوى، من مصر في شرق ليبيا وتونس في غربها، تبقى القوة الدافعة الأكبر للثورة صادرة عن أعمق أعماق ليبيا، وإنّ فيها ما يكفي لإيقاد جذوة الثورة في رحم المعاناة طوال عدّة عقود، ممّا تغلغل في جميع جوانب حياة الإنسان الليبي ، ولهذا يمضي شعب ليبيا نازفا من جراحه، مصمّما على إسقاط فوضى الإجرام واستعادة ما يستحقّ وصفه بالنظام.
هي ثورة ليبية قلبا وقالبا.. تتميّز بدوافعها وبمسارها، بل تختلف عن سواها حتى بتلك العلامات الفارقة للطاغوت الذي هبّت لإسقاطه في ليبيا، بما في ذلك اللقطات الاستعراضية الخاوية من المحتوى -كالتحرّك في "مظاهرة القائد.." ضدّ الشعب!..- وبما في ذلك أيضا الوحشية الفاحشة في ارتكاب المجازر، عبر إقدام العقل المدبّر من وراء الاستبداد الدموي على استنفار الألوف من "المرتزقة المستأجَرين من اللاجئين الأفارقة"، كي يؤدّوا مهمتهم باسمه، على غرار ما صنع "بلطجيّة" المستبدّ المخلوع في مصر.. ولكن بدمغة المستبدّ الموشك على السقوط في ليبيا.
إنّها الثورة التي تميّزت أيضا بأنّ المسارعة إلى أسلوب ارتكاب الجرائم في محاولات إخمادها، جعلت المسؤول الأول عن ارتكاب الجرائم، "يتفوّق" قبل رحيله على مَن سبقه إلى الرحيل، حاملا المسؤولية عمّا ارتُكب من جرائم خلال محاولة إخماد الثورة في مصر، حيث استشهد خلال 18 يوما المئات وأصيب الألوف من الأطهار من شعب ثائر تجاوز 80 مليونا.. وفي ليبيا، استشهد خلال 5 أيام أولى من عمر الثورة، مئات الأطهار، وأصيب ألوف الأطهار، من شعب يعدّ أقلّ من سبعة ملايين.
شعرة فاصلة بين الجنون والدهاء
هي ثورة ليبية الهوية والأسباب والمسار والتضحيات، نقترب وجدانا وفكرا من الشعب الذي أطلقها، بقدر ما نستعيد وجدانا وفكرا ما عانى منه شعبُ ليبيا، منذ ظهور ذاك الذي حار علماء السياسة في تصنيف ما يصف به نفسه: عقيدا عسكريا، وزعيم ثورة، ورئيس دولة، وأمين مؤتمرات شعبية، ومنظّرا مفلسفا لعصر الجماهيريات، ومبتدعا للنظرية العالمية الثالثة تحت عنوان الكتاب الأخضر.. حتى تكدّس جميع ذلك وسواه فوق بعضه بعضا، دون أن يلغي صورة واحدةً ثابتة واضحة للعيان: صورة فرد وصل إلى كرسي التسلّط على ليبيا بانقلاب عسكري..
ومن معالم صورة ذلك الفرد العسكري أنّه أساء بانقلابه ذاك وما تلاه إساءةً بالغة للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر وما عُرف من عروبته، إذ نسب نفسه إليه وما ورث شيئا من إنجازاته، ولكن ورث جميع أخطائه وزاد عليها، حتى أصبحت أشبه بالحسنات والمكارم بالمقارنة مع ما صنع الآخر بليبيا وأهلها.
وتكتمل معالم هذه الصورة الوحيدة الثابتة بما أصبح واضحا كالشمس في رابعة النهار: مهما بلغ سوء الأوضاع من قبل ذلك الانقلاب العسكري، فإنّ ما صنعه الحاكم المستبدّ منذ ذلك الحين أسوأ وأفدح بما لا يقاس، وأشدّ استدعاءً للثورة عليه..
ولكن.. هل كان ما صنعه مجرّد نزوات شاذة كما يقال عنه؟..
هل كان مجرّد نزوة عقب الوصول إلى السلطة أن يعلن "قائد عصر الجماهيرية" (الذي يشهد قبل موته ثورة الجماهير عليه) أنّه سيسير على نهج إسلامي.. ثم يقفز إلى البطش بكل من دعا للإسلام وعمل من أجله، وإلى إنكار السنّة، وإلى اختراع أسماء جديدة للشهور وتقويم سنوي مبتدَع.. ناهيك عن مسلسلات الوحدة العربية والإفريقية، جنبا إلى جنب مع كلّ ما يساهم في تعزيز الانقسامات ويزرع العداوات.. وناهيك أيضا عن تقلّبه بين احتضان منظمات توصف بالإرهابية، وارتماء انبطاحي تحت عنوان التخلّي عن مشاريع نووية.. ولا نهاية لقائمة ما يعتبره كثيرون نزوات لا تمتّ إلى عالم السياسة بصلة.
ولكن من قبل هذا ظهر كثير من الترهات في "كتابه الأخضر" وفي خطبه، ممّا دفع على الأرجح كثيراً من معارضيه في البداية إلى تفسير ما يقول ويصنع بأنّه ضرب من الجنون، وهذا طرح خاطئ دون ريب، ربّما فوّت عليهم لفترةٍ من الزمن التصرّف في الوقت المناسب قبل استفحال حصيلة ما صنعه "الدهاءُ لترسيخ التسلّط"، وهو يشغل الناس بتصرفات عبثية، وينشغل هو بالاستيلاء الفعلي -مع الأعوان.. التقليديين الجاهزين في كل حكم استبدادي- على مرتكزات السيطرة المطلقة على الدولة ومصادر حياة أهلها، وكان من أخطر وسائله العملُ على تفتيت الشعب الواحد، إلى أقلية منتفعة يعتمد عليها، وغالبية مقهورة يعتمد بقاؤه وفساده على سلب ثرواتها، وهذا بالذات ما وصل به في مطلع أيام الثورة في ليبيا إلى محاولة استثارة أهل المغرب ضدّ أهل المشرق في البلد الواحد.
وقود الغضب
لئن صحّ استخدام تعبير "ثورة أيام الغضب" بصدد ما تشهده المنطقة العربية الآن، فهو يصدق على ثورة شعب ليبيا أكثر من سواه، حيث هيّج الاستبداد الشاذ فيها، على امتداد حياة جيل بأكمله وزيادة.. هيّج الغضب الشعبي، وزاده اشتعالا، يوما بعد يوم، ساعة بعد ساعة.. حتى بلغ درجة الانفجار الحتمي.
يمكن تعداد قائمة لا نهاية لها حول ما شهدتْه ليبيا من مظالم معيشية، واعتقالات وتعذيب، واغتيالات وقتل، وتشريد وحرمان، وانتهاك للكرامة الإنسانية ومختلف الحقوق والحريات، وتطاول أصاغر المنتفعين على كبار الأساتذة والعلماء.. ومن استهانةٍ لا تنقطع بإنسانية الإنسان.
جميع ذلك يراكم أسباب الثورة لدى كل شعب أبيّ، كما يراكمها الأسلوبُ المتبع في كثير من البلدان تحت حكم الاستبداد من تبجيلٍ للزعيم الفذ، والبطل الملهم، والحاكم "المعصوم".. إنّما واجه شعبُ ليبيا ما يزيد على جميع ذلك أضعافا مضاعفة، وما يفسّر الغضب الثائر الآن بعد أن تراكم طويلا..
ويكفي أن نستحضر ما يعنيه توظيفُ ما يُسمّى الكتاب الأخضر، كلمة كلمة، وجملة جملة، وبما نُشر من شروح ومتون عليه.. من أجل صكّ الآذان بذلك كله، دون انقطاع، على امتداد عشرات السنين، في المدارس والجامعات، والأحياء والمساجد، والخطب والمؤتمرات، والجرائد والإذاعات، ليصبح أشدّ وطأة من غازات خانقة للأنفاس ومسيلة للدموع..
وجميع ذلك من أجل تقديس فرد مستبد، لم يَملك مجدا موروثا ولا إنجازا مشهودا، وفق مقاييس المستبدين، فاصطنع لتقديس نفسه "هالة المفكّر المبدع عالميا".. وأيّ فكر ذاك وأي إبداع!..
إنّ استيعاب ما تصنعه طاقة ثورة الشعب الآن لإسقاط صنم الاستبداد في ليبيا مهما بلغت التضحيات، مرتبط ارتباطا وثيقا باستيعاب ما صنعتْه نوعية علاقة المستبدّ بالشعب، والتي بدأت بطباعة "الكتاب الأخضر".. ومن يمسك به بين يديه يعجب للوهلة الأولى كيف استطاع مؤلفه أن يحشر "نظريته العالمية الثالثة" فيما يصعب وصفه بالكتاب أصلا –وهو في حدود 15 ألف كلمة.. أي بحجم مقال مطوّل من بضع صفحات في مجلة ما- فما الذي يحتويه إذن؟..
هل هو جملة من الحِكَم الفلسفية الفكرية التنظيرية البليغة إيجازا ومدلولا؟..
لا ينبغي أن يستهان باحتقان الغضب لمجرّد تحمّل التبجيل الممجوج المتواصل لأكثر من أربعين عاما، لفرد يرى أنّه يضع فكرا يغيّر به مجرى تاريخ الأمم جميعا، عندما "يكتشف" في كتابه الأخضر مثلا.. (ومعذرة للقارئ.. لا بدّ من إيراد أمثلة):
(المرأة أنثى لا غير.. وأنثى تعني أنها ذات طبيعة بيولوجية مختلفة عن الرجل لكونه رجلا).
أو عندما "يبدع" في صياغة هذه الحكمة المثيرة مثلا آخر:
(مثلما هو من غير المعقول أن تدخل الجماهير المعابد لتتفرج على شخص أو مجموعة تصلي دون أن تمارس هي الصلاة، يكون أيضا من غير المعقول أن تدخل الجماهير الملاعب والميادين لتتفرج على لاعب أو لاعبين دون أن تمارس هي الرياضة بنفسها)..
لا يستهان إذن إطلاقا بتراكم الغضب إلى درجة الانفجار، حتى ولو اقتصرت المعاناة في ليبيا على تحمّل ما يعنيه توظيف ذلك الجانب العبثي من الكتاب الأخضر ليصبح "برامج عبثية شاملة" لصناعة "إنسان ليبي" آخر بالإكراه!..
إنّما لا ينبغي أيضا التهوين من جانب الدهاء من وراء التنظير بغرض التسلّط، من خلال ما تعنيه الحملات الاستبدادية المحشوّة بالإجرام والفساد لتطبيق عبارات أصبحت معروفة: (لا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية) و(شركاء لا أجراء) و(البيت لساكنه) وغيرها.
ولكن يظهر "دهاء التسلّط" دون قناع في تثبيت الاستبداد المطلق نظريا أيضا، وهو الذي أدّى الآن إلى الثورة.. فصاحب الكتاب الأخضر يطرح ويبتدع ما شاء له الخيال بشأن عصر الجماهيريات، ويعتبره البديل الأرقى والأفضل من الديمقراطيات المعاصرة.. ثم يختتم جميع ما كتب في "الشأن السياسي" بعبارة واحدة تقول:
(هذه هي الديمقراطية الحقيقية من الناحية النظرية. أما من الناحية الواقعية فإن الأقوياء دائما يحكمون.. أي أن الطرف الأقوى في المجتمع هو الذي يحكم).
ويعترف كاتب هذه السطور أنّه لم يقرأ كلاما أوفى تعبيرا من هذا الكلام في التنظير لشرعة الغاب، التي مارسها حاكم ليبيا المستبدّ لأكثر من أربعة عقود.
الاستبداد ملّة واحدة
مهما بلغ الأمر بدرجة دهاء الاستبداد في ليبيا، فهو لا يختلف عن سواه من حيث جوهر ما صنع إلى الآن، ومن حيث غباء الإجراءات المضادّة لثورة الشعب:
1- إرهاب الثائرين من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.. عن طريق "المرتزقة.. البلطجية".. والبطشُ يزيد الثائرين صمودا وتصميما على مواصلة الثورة -مهما بلغ حجم التضحيات- وعدم النكوص إلى أوضاع تزيد وطأة الاستبداد الإجرامية فيه على ما كانت عليه، انتقاما وتنكيلا. 2- إغراء الثائرين من "المهمّشين" في معيشتهم وفي مدنهم وقراهم، جيلا بعد جيل، بوعود التنمية السخية والعمران غير المسبوق.. عن طريق أحد أفراد العائلة الراعية للاستبداد والفساد، كما لو أنّها تصدّق نفسها فعلا أنه يوجد من شعب ليبيا بعدُ من يمكن أن يصدّق وعودها.. فلا يزيد الشعبَ مزيدٌ من الوعود إلا مزيداً من التصميم على متابعة طريق الثورة المتنامية، والأمل أن يتسارع ما بدأ من انتشارٍ لشعلتها في غرب البلاد بعد أن عمّت وانتشرت في شرقها.
3- تصرّفات استعراضية عبثية، أصبح عنوانها في تونس معروفا: "فهمتُكم"، وفي مصر معروفا: "أعي ما تريدون".. وإذا بها تأخذ في "الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" عنوان "التحام قائد الثورة مع الجماهير"، وجماهيرُه في "مظاهرته ضدّ الشعب" –هم كجماهير سواه من المستبدين- كلّ من يستطيع تعبئتهم من فئات المروِّضين والمروَّضين في الأجهزة القمعية، وبعض من لا تزال الأساليب الإرهابية تشدّ الوثاق عليهم.
الاستبداد ملّة واحدة.. وإن تفاوت ببعض ممارساته ودرجات إجرامه بين بلد وآخر، ورغم كثرة أصناف الحكم الاستبدادي على مرّ الحقب التاريخية فهو يتميّز في بعض البلدان العربية، -ومنها ليبيا- بدرجة من الإجرام المروّع لنشر الرعب قلّ نظيرها، فضلا عن عمل متواصل لتمزيق فئات الشعب الواحد، إلى أقلية يتمّ ترويض أفرادها على اقتناص الأرواح واغتيال الآمال وتقاسم الغنائم، وغالبية كبرى.. هي "الغنائم". من الأمثلة على ذلك: "الأجراء"، الذين لم يصبحوا شركاء في ثروات أرضهم، ولا في حصيلة عطاءات فكرهم وجهدهم، ولا عاشوا أجراء يحصلون على أجر نزيه لقاء ما يبذلون وينتجون، فأصبحت معاناتهم لمجرد البقاء على قيد الحياة، كرقيق العصور القديمة فقرا وبؤسا وقهرا.. في دولة من الدول الثرية بالنفط الخام، وهو في أرضهم هم!..
حتى أنصار الاستبداد والفساد داخل ليبيا يقرّون باساليب ملتوية بحقيقة أنّ اللجان الثورية والشعبية ولجان العنف الثوري اصبحت أدواتٍ للفساد والثراء الفاحش، ويطالبون الثائرين باللجوء إلى المؤتمرات الشعبية.. والثائرون يعلمون أنّها منذ نشأت أدواتٌ للاحتيال والقهر.
سقوط "الجماهيرية الاستبدادية"
لئن تضمن "عصر الجماهيريات" في ليبيا فارقا يستحق الذكر عن "عصر الاستبداد" الذي قوّضته ثورة الشعب في تونس غربا وثورة شعب مصر على الاستبداد شرقا، فهو الفارق في أنّ ارتكاب الكبائر في أساليب القمع كان أسرع ظهورا للعيان، وأفحش إجراما في إزهاق الأرواح، وأوسع نطاقا في العمل على تحويل ليبيا إلى سجن كبير لا يرى الناظر من خارج الحدود، إلا بصعوبة بالغة بعض ما يجري في الشوارع من استباحة رهيبة للدماء، يمكن تصوّر مداها من وراء القليل.. القليل الذي يشقّ طريقه رغم التعتيم، من مشاهد الثورة من جهة وانفلات الفتك الإجرامي من جهة أخرى.. وهو ما تبوح به ألسنة بعض المتحدثين عبر الهواتف الخلوية، أو الصور المتسرّبة عبر بقايا "اتصالات شبكية".. وجميع ذلك وسط الآلام ورغم المخاطر، فقد تكرّر اعتقال المتحدثين أو "اختفائهم" بعد سويعات من نقلِ ما يرونه بأمّ أعينهم، أو يتحدّثون عنه من أهدافٍ لا تتجاوز حدود "الكرامة والتحرر".
هذه الممارسات وسواها تؤكّد –إلى جانب ما تتميّز به ثورة الشعب في ليبيا- وجود ملامح واضحة مشتركة لها مع ثورات الشعوب العربية الأخرى، وسيضاف إليها: تحقيق نصر قريب.. ومن تلك الملامح:
انطلاقة الثورة انطلاقة شعبية عفوية كما كانت في تونس ومصر..
ومحور الثورة هو تقويض الاستبداد والفساد كما كانت في تونس ومصر..
ويجد الثائرون في ليبيا من تضامن الشعوب ونبضات القلوب ودعاء الألسنة والأفئدة مثل ما وجده الثائرون في تونس ومصر..
وانتصار هذه الثورة بهذه الملامح سيبدأ بإذن الله بتحقيق الهدف الأوّل مثلما كان مع ثورتي شعب تونس وشعب مصر: الشعب يريد إسقاط النظام.
ولن تكون ليبيا –مهما كانت حصيلة هذه الجولة.. أو هذه الثورة المتنامية- مثلما كانت قبل اندلاعها، ولن يكون للاستبداد والفساد مجال للاستقرار، فلا استقرار فوق دماء الشهداء والجرحى، ولن يمضي زمن طويل إلا ويضاف مبتدِع "الجماهيرية الاستبدادية" إلى حيث يرقد سواه من مشاهير الإبداع في الاستبداد، من فرعون والنمرود ونيرو قديما، ومبارك وبن علي.. ومن سيليهما حديثا، فصفحات التاريخ لا يكتبها هراءٌ عبثي أو دهاء تسلّطي، وإن طال بالمستبدين المقام، إنّما تكتب التاريخَ ثورات الأحرار وتضحيات الأحرار وقدرة الأحرار على تقويض دعائم الاستبداد والمستبدين والفساد والمفسدين، واقتلاعها من الجذور

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين