الظلم ـ 2 ـ
بقلم الشيخ: مجْد مكي
لقد تحدث القرآن الكريم عن الظلم والظالمين والعقوبات التي أعدَّها الله عز وجل في آيات كثيرة جداً، وبغية التحذير منها، ومن هذه النصوص القرآنية:
1 ـ إن الشرك لظلم عظيم، ولذلك كان من أوَّل وصايا لقمان لابنه: [وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] {لقمان:13}.
 حقاً إن الشرك بالله لظلم عظيم، وذلك لأنَّ حقَّ الله على عباده أن يؤمنوا به ويعبدوه ويوحِّدوه ويطيعوه.. فمن عبد غير الله فقد وضع عبادته في غير موضعها وذلك ظلم عظيم لأنه يتعلق بحق الله الخالق الرازق المنعم المتفضل المحيي المميت سبحانه.
ويقول الله تعالى:[الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] {الأنعام:82}.
روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ]. شقَّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، أيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك، وإنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه:[ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ] "{لقمان:13}.
2 ـ ومن الظلم تعدِّي حدودَ الله تعالى: وحدود الله : شرائعه التي حدَّد فيها لعباده معالم الحلال والحرام والفروض والواجبات، فتجاوز حدود الله معصيةٌ له . ومعصيةُ الله ظلم.
قال تعالى:[ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ] {البقرة:229}.
ونهى الله تعالى آدم وزوجه أن يأكلا من الشجرة، فإن أكلا منها كانا من الظالمين:[وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ]{البقرة:35}.ففعلُ ما نهى الله عنه ظلم.
3ـ ومن الظلم كتم شهادة الحق: وخاصَّة فيما يتعلق بالحقائق الدينيَّة: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ] {البقرة:140}.
4 ـ ومن الظلم :  منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {البقرة:114} .
5 ـ ومن الظلم : الإعراض عن آيات الله وعدم الاستجابة لله: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا] {الكهف:57} .
وقال تعالى:[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ] {السجدة:22} .
وقال تعالى:[ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ] {الأنعام:157}. صدف عنها ، أي: أعرض عنها.
6 ـ ومن الظلم : الكذب على الله لإضلال الناس بغير علم: قال تعالى:[ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ]{الأنعام:144}.
7 ـ ومن الظلم  :ظلم الناس في أموالهم وأنفسهم: قال تعالى:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا] {النساء:30}.
فأكل أموال الناس، وقتل الناس بغير حق، عن علم وإرادة، عدوان وظلم. وخصَّص الله تعالى أكلَ أموال اليتامى بالذكر لتأكيد التحذير الشديد لهذا النوع من الظلم.
قال تعالى:[إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا]{النساء:10}.
8ـ والقتل بغير حق ظلم: [وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}.
خطر الظلم في حقوق العباد :
فظلم الناس في أنفسهم وأموالهم أمره شديدٌ، وعقابه مخيفٌ.
وظلم الإنسان للإنسان معناه:  اعتداء الظالم على المظلوم في نفسه، أو ماله أو عرضه.
فمن قتل إنساناً، أو ضربه أو شتمه أو سبَّه أو آذاه فهو ظالم لذلك الإنسان ، ومن أخذ مالاً لإنسان، بغير حق، صغيراً أو كبيراً فإنه يعتبر ظالماً لهذا الإنسان، ومن عابَ إنساناً ينتقصه بذلك أو اتَّهمه بالفحش أو رماه بالزنى ، ومن غازل فتاة جاره أو صديقه أو وقع في فاحشة فهو ظالم لهؤلاء خائن لهم.
 
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ـ أي: ما ينتفع به من الدنيا ـ فقال: إنَّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا ـ أتهمه بالزنا ـ وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحتْ عليه ثم طرح في النار).
 
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لَتُؤَدُّن الحقوقَ  إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) يقاد: يقتص. الجلحاء: التي لا قرن لها.
ـ وروى البخاري عن خولة بنت ثامر الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن رجالاً يتخوّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة).
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قِيدَ شبرٍ من الأرض طُوِّقه من سبع أرضين) قِيد: أي قدر.
وأرشد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى محاسبة المسلم نفسه على الظلم ولو قضى له القاضي بما ليس له فيه حق.
روى البخاري ومسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحُجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من نار).
ولما كان الظلم من أقبح القبائح حرَّمه الله تعالى على نفسه، وجعله بين عباده محرماً.
روى مسلم عن أبي ذر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجل...(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا). [إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا] {النساء:40}. [إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] {يونس:44}.
والظلم ظلمات يوم القيامة.
روى مسلم عن جابر رضي الله عنه: (اتَّقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة...) والظُّلمة يرافقها العذاب، بخلاف النور فإنه يرافقه النعيم.
[يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] {الحديد:12} . [يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ ] {الحديد:13} .
ودعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب:
 روى البخاري ومسلم عن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب..... واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
وروى أحمد والترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبوب السماء ويقول الرب:وعزَّتي لأنصرنك ولو بعد حين).
 
وروى البيهقي في" شعب الإيمان " عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إيَّاك ودعوةَ المظلوم فإنما يسأل الله حقه، وإن الله لا يمنع ذا حقٍّ حقه).
جزاء الظالمين في الدنيا والآخرة :
جزاء الظالمين في الدنيا والآخرة مقطوع به، ووقوع البلاء بالظالمين أمر محسوس ومشاهَد، وتاريخ الظالمين على هذه الأرض ترويه الخرائب المظلمة والقصور الخاوية، والمصير البائس المشؤوم.
قال تعالى:[فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ] {النمل:52}
.وقال سبحانه:[وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ] {إبراهيم:42}.
وقال جل وعلا:[وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ] {إبراهيم:44} .
وقال عزَّ وجل:[ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ] {الحج:71}.
روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ:[وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] {هود:102}".
دفع الظلم عن المجتمعات الإسلامية :
كان في الجاهلية حلف يسمَّى حلف الفضول لإنصاف المظلوم ،ورد الحقوق إلى أهلها، يفزع إليه الغريب المضْطهد، والضعيف المستعبد. وتوجد الآن جمعيات في أوروبا للرفق بالحيوانات على اختلاف أنواعها حتى الكلاب.
ألا  ما أشد حاجة بلادنا الإسلامية المنكوبة بتسلُّط الظالمين إلى حلف في بلادنا كحلف الفُضَول؟؟!
ألا ما أشدّ حاجة بلادنا الإسلامية اليوم  إلى جمعية للرفق بالإنسان؟.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين