استنساخ البوعزيزي
راشد مبارك المهندي
 
قد ينجح الشعب التونسي في امتحان الحرية وقد يفشل ، فالتحديات التي تعترض طريقه كثيرة ، وأكثر منها من يحاولون القفز إلى مقدمة المشهد ليظهروا للناس أنهم أصحاب الفضل في قيام هذه الثورة .
 
ولكن لندع ما يحدث وما يمكن أن يحدث ، ولنأخذ ما حدث بالفعل ، لأنه يثبت أن الشعوب العربية والمسلمة ما زال بإمكانها أن تغير وأن تشعل الأرض تحت أرجل جلاديها ، وتجعلهم يهربون كالفئران تحت جنح الظلام ، وأن تسقط الأساطير التي كانت تحاك حولهم وحول قدرتهم وقدرة أجهزة مخابراتهم ، وما تمدهم به قوى الاستعمار من أسلحة ومعلومات وما تفعله الأقمار الصناعية التي تسمع دبيب النملة .. حتى سيطر على عقولنا الوهم بأنهم خالدون مع أنظمتهم ، وبأننا أضعف من أن نتفوه بمجرد كلمة ..
 
وتبين أن ما كان يقال عن ضعفنا وانهزامنا والمبالغة في تقدير قوة أعدائنا والمؤامرات التي تحاك ضدنا .. أكثره كلام يقال ليسري خدر الاستسلام في أوصالنا .
 
أقول : مهما كانت النتيجة التي ستؤول إليها هذه الثورة الشعبية ، فإن مفعولها سيبقي قويا  في نفوس الشعوب المقهورة ، وستكون مثالا حيا لكل مقهور  على أن الشعب إذا قال كلمته فلا يمكن لأحد أن يقف أمامه..
 
من كان يصدق أن يحدث ما حدث وبهذه السرعة ، وفي تونس بالذات ، التي ظن كثير منا أن شعبها دجن كباقي الشعوب العربية ، التي نظن أنها مدجنة ، ولعلها ليست كذلك ، وربما تحتاج إلى شرارة (( حقيقية )) تضيء لهم طريقهم وتعتقهم من نير الظَّلَمَة ، لا كما يفعل بعضهم هنا وهناك عندما يحرقون أنفسهم ، ظنا منهم بأن ما فعله بوعزيزي في تونس يمكن أن يتكرر في بلدانهم ويؤدي لنفس النتيجة!! فما فعله بوعزيزي كان من جملة مقدمات أدت لحصول تلك النتيجة في تونس ، وواجب القوى الحية في المجتمعات العربية والإسلامية أن تبحث عن المقدمات الصحيحة لواقع بلدانهم كي يحصلوا على النتيجة الصحيحة التي يرجونها ، لا أن نقوم باستنساخ ما فعله البوعزيزي وننسى أن نستنسخ ما فعلته الجماهير التونسية على أرض الشارع وهو الأهم والأبرز ، بل هو اللهيب الذي سفع وجه الطاغية حتى اضطر للهروب قبل أن ينشب في ثيابه ويحرقه ، فولى هاربا لا يلوي على شيء .
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين