ماذا عن كتاب (القانع ختم الصحيح الجامع) للسُّيوطي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد: فمِنْ وجوه خدمة صحيح البخاري تأليفُ كتبٍ في ختمه، وللعلماء في ذلك مؤلفات عدة، وقد رأيتُ في كتاب "العُجالة الحُسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للسيوطي، في الكلام على اسم الله تعالى (العظيم) قوله: "وقد بسطتُ الكلامَ على هذا بعضَ البسطِ في كتاب (القانع ختم الصحيح الجامع)".

وهذا صريحٌ أنَّ للسيوطي كتابًا في هذا الموضوع، بهذا العنوان.

والسيوطي قرأ "الجامع الصحيح" على شيخيه القُمُّصي وابن الألواحي، وسمع مواضع منه على البلقيني، وسمع "الثلاثيات" على شيخته أم هانئ بنت علي الهوريني ، فلا مانع مِنْ أن يكون كتبَ هذا الختم بتلك المناسبة، أو يكون أقرأه وختمَ به، والأولُ أرجح.

ولكنْ ممّا يبعثُ على التساؤل عدمُ ذكر هذا الكتاب في قوائم مؤلفاته التي وضعها هو في كتبه:

"التحدُّث بنعمة الله"، وهو سيرته الذاتية بقلمه،

وفي "حُسْن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة"، وهي القائمة الثانية،

و"فِهْرِست مؤلَّفاتي"، وهي القائمة الثالثة المعتمدة، فقد نصَّ تلميذه الشيخ عبدالقادر الشاذلي أنَّ هذا "الفِهْرِست" ضمَّ من المصنَّفات ما ارتضاه السيوطي وأبقاه إلى الممات،

ومعنى هذا أنَّ كلَّ عنوانٍ لم يردْ فيه فهو غير مَرضي لديه.

ولا بدَّ من الذكر أنَّ هذه القوائم لم تخلُ مِنْ ذكر "القانع ختم الصحيح الجامع" فحسبُ، بل خلتْ من الكتاب الوحيد الذي ذكرَه وهو "العُجالة الحُسنى في شرح أسماء الله الحسنى"، فهو كذلك -على هذا- غير مرضي.

وقد غسَلَ السيوطي كتبًا ألّفها في أول أمره حتى لم يبق لها أثر، ولكن يبدو أنَّ هناك مؤلفات نُسِختْ فحين قرَّر استبعادَها لم يتمكنْ مِنْ غَسْلها، و"العُجالة" منها، وقد وصلتْ نسختان منه، وهما ضمن مجموعين: الأول في مكتبة الأزهر، والثاني في مكتبة لالا إسماعيل في إصطنبول.

وقد يَسأل سائلٌ: هل هذا الكتاب (العُجالة الحُسنى) للسيوطي؟

الجواب: الظاهرُ نعم، فلا يوجدُ ما يَمنعُ مِنْ نسبته، والنسختان اللتان وصلتا عليهما اسمُهُ، والمجموعان يضمّان رسائلَ كثيرة له، وواضحٌ أنَّ المؤلِّف شافعي، إذ ينقل عن الشافعية: البندنيجي، والنووي، وإمام الحرمين.

والكتابُ منتخبٌ أكثرُه من "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى" للإمام الغزالي كما قال في مقدمته، وتعويلُه على الغزالي هنا يُشبُه تعويلَه عليه في رسالةٍ صغيرةٍ سمّاها "البيان في رياضة الصبيان" اقتصرَ فيها على نقلِ كلامِ الغزالي في "الإحياء"، ولكنْ مِنْ غير تصريحٍ، وقد وصلتْ منها نسخةٌ بخط تلميذه ابن فهد.

ولا نجدُ لهذه الرسالة (البيان) ذكرًا في قوائمِ مؤلفاته، لاسيما "فِهْرِست مؤلفاتي"، فهي مما رجعَ عنه.

وكذلك القولُ في كتابه "العُجالة الحسنى" فهو ممّا لم يرتضه .

وكذلك القولُ في "القانع ختم الصحيح الجامع" إذ لا ذكرَ له، بل لم نقفْ على نسخةٍ منه أصلًا.

ويحسنُ أنْ نتوقفَ عند هذا العنوان: (القانع ختم الصحيح الجامع) فهو يشي -إنْ لم يكن عرضَ له تحريفٌ- أنَّ واضعَه غير متمكِّنٍ بعدُ من اختيارِ العناوين وصياغتِها، وهذا يؤيّد القولَ بتأليفه مبكّرًا، ورجوع السيوطي عنه.

والله تعالى أعلم.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين