تدبر: {وَاجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا}

ثلاث كلمات ما أعمق معانيها.! وأعظم تكاليفها.! وأسمى مقامها.! وأشرف غايتها.. إنّها جمعت بين أصل المَنهج، منهج: (التقوى)، وعظم الهدف هدف: (الإمامة في الدين)، وثقل المَسئوليّة مَسئوليّة: (القيام بحقّ التكليف)، مع رجاء التوفيق والخصوصيّة من الله تعالى للقيام بها.. إذ منه وحده عطاء الهداية المَمدود المُستمدّ من: {وَاجْعَلْنَا}..

ونحن نعلم أنّ التقوى تشمل أبواب الحياة كلّها ؛ بمجملها وتفصيلها، وأعمال عقلها وحركة فكرها، وأعمال القلوب، وخلجات المَشاعر والعواطف، وهي تبدأ من الإيمان والعقيدة بأصولها وفروعها، إلى العبادة ونيّة التقرّب إلى الله تعالى بما شرع، إلى الالتزام بشرع الله في كلّ شأن عامّ أو خاص، إلى التحلّي بالأخلاق الإسلاميّة، والشمائل النبويّة، التي كما هي ميزان الحبّ الصادق لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فهي ميزان التحرّر من أهواء النفس الأمّارة بالسوء، وتغلّبها على سلوك الإنسان وعلاقاته.

ولا يكون المُؤمن إِمَامًا لِلمُتَّقِينَ حقيقة إلاّ إذا كان حريصاً على عزائم الأمور، ذا همّة عالية في الاستجابة لدين الله، تمسّكاً بالحقّ، وعملاً به، ودعوة إليه، بالحكمة والمُوعظة الحسنة.. كما لا تقتصر هذه الإمامة على العلماء والدعاة إلى الله تعالى، وإنّما هي مَبثُوثة في جميع فئات الأمّة، ليقيم الله بها الحجّة على سائر خلقه..

وإذ كان حبل التقوى موصولاً بالله تعالى مصدراً، وتلقّياً، وهدفاً سامياً للحياة فهو الحَكَم على كلّ ما عداه من رغبات الناس ومنازعهم، واختلاف مشاربهم، وما يشغل أعمارهم، ويملأ أوقاتهم من الأهداف الصغيرة التافهة، البعيدة عن تقوى الله وهدايته، وهذا باب آخر من أبواب إمامة المُتّقين للناس، مصغّر عن الإمامة النبويّة العظمى، ومقتبس من عذب منهلها..

وكذلك هذه الإمامة للمُتّقين في كلّ زمان تشير إلى تسلسلها في الأمّة عبر القرون، بسند ذهبيّ مُتّصل إلى الأسوة الحسنة العظمى، صلوات ربّي وسلامه عليه..

وستبقى الإمامة في الدين مَطمَحَ عباد الرحمن المُتّقين، لأنّ قلوبهم تعلّقت بعرش الرحمن سبحانه، وبمقعد صدق عند مليك مقتدر..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين