التسمية بـ: يس وطه

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فقد استمعتُ إلى فيديو أرسله لي بعض الأصدقاء للدكتور عمر عبد الكافي ينكر فيه على العامة التسمي باسم ياسين وطه، لأنـهما ليسا من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال.

ولا ريب أن هذا الذي قاله من أن ياسين وطه ليس في أسمائه عليه الصلاة والسلام قد قاله بعض العلماء، ونقل أبو القاسم السهيلي عن مالك كراهة التسمي بأسماء السور كـ: ياسين ونحوه، واختاره ابن القيم، وبالغ فادَّعى أنَّ دعوى أنَّ ياسين وطه من الأسماء النبويَّة من كلام العوام.

وفيما قالوه نظر من وجوه:

أحدها: أن القول بأن يس وطه من الأسماء النبوية قول سعيد بن جبير وحكاه البيهقي والقرطبي عن محمد بن الحنفية أنَّ يس: يا محمد صلى الله عليه وسلم، وقاله أبو جعفر الباقر، وحكى العلامة ابن عاشور عن ابن ملوكة التونسي وشيخ الإسلام محمد معاوية أنـهما ارتضياه.

وعن كعب الأحبار أنَّ معنى يس: يا محمد، إنك سيد المرسلين ومن هنا قال أبو سعيد النقاش: إن الله لم يُقسم في كتابه بنبيٍّ غير نبينا صلى الله عليه وسلم كما في "الشفا" للقاضي عياض.

وذكر القاضي عياض حديثاً مرفوعاً في هذا المعنى بلفظ: "لي عند ربي عشرة أسماء: فذكر منها طه ويس" وهو خبر موضوع كما نصَّ عليه الملا علي القاري في "شرح الشفا" أخرجه أبو بكر بن مردويه في "تفسيره" وأبو نعيم في "الدلائل" بسند فيه أبو يحيى التيمي وهو وضَّاع.

وقد أسند الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة" عن أبي زكريا يحيى بن محمد العنبري أنه قال: "ولنبيّنا صلى اللهُ عليه وسلم خمسة أسماء في القرآن: محمد، وأحمد، وعبد الله، وطه، ويس" ومن هنا قال السيد الحميري في آل البيت النبوي عليهم السلام:

يا نفسُ لا تمحضي بالودِّ جاهدةً...على المودّةِ إلا آل ياسينا

وحكاه جماعة من المفسرين والفقهاء، منهم ابن رشد الجد، والقرطبي، والكرماني في "غرائب التفسير"، وابن جزي، وابن عجيبة، والألوسي وغيرهم.

الوجه الثاني: قد ذكر ابن القيم نفسه في "جلاء الأفهام" أن ياسين اسم من أسماء إلياس عليه السلام لقوله تعالى: (سلام على إل ياسين) وعليه فلا مانع من التسمية به كالتسمِّي بسائر أسماء الأنبياء ولا فرق.

الوجه الثالث: أنَّ {طه} بمعنى: يا رجل، و{يس} بمعنى: يا إنسان، وكلاهما خطاب للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، حكاه مكي في "الهداية" وغيره عن ابن عباس وغيره، وأنه بلسان الحبشة، ونقل البيهقي في "الدلائل" أنَّ {طه} بمعنى: يا رجل لغة بني عك، وحكاه عن ابن عباس.

واختار بعض المفسِّرين أنه بمعنى: يا سيد، وحكى أبو عبد الرحمن السلمي أن المراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه: يا عاقل، فتسمية الناس بـهذين الاسمين لأجل ذلك لا مانع منه، كالتسمية بسيد وذاكر وعاقل ونحو ذلك من الأوصاف، ولا يدفعه دليل شرعي أو عرف لغوي، بل مثل هذه الوجوه كافية في تقرير استحباب التسمية بذلك كما هو ظاهر.

وأمَّا ما نُقل عن مالك، فالوجه في كراهته كما بيَّنه ابن رشد في "شرح العتبية" لأجل الخلاف في: هل هو من أسمائه عليه الصلاة والسلام أو لا؟ وقد خرج على أصله في الاحتياط وترك ما لم يثبت فيه نقل عنده، ولهذا صرح ابن رشد بجواز التسمية به على قول ابن عباس إنه بالحبشية: يا إنسان.

الوجه الرابع: أنَّ ياسين وطه من أسماء بني إسرائيل والأمم السابقة، وحكى ابن جرير أنه اسم والد النبي إلياس عليه السلام، فإنه إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، ولا مانع من التَّسمِّي بأسماء الماضين ما لم يكن في معناه ما يخالف الشرع.

وفي العلماء من اسمه ياسين، ولم ينقل عنهم تغييره، مثل: ياسين بن معاذ الزيات من شيوخ وكيع وهذه الطبقة ومن كبار الفقهاء المفتين بالكوفة، وكان يفتي بقول أبي حنيفة، وياسين بن سهل القلاس من أصحاب الإمام أحمد، وياسين بن عبد الأحد القتباني في شيوخ النسائي، والشيخ الصالح ياسين بن يوسف الزركشي الشافعي، والعلامة ياسين العليمي المشهور بحواشيه كحاشيته على شرح التلخيص للسعد، وحاشيته على شرح الخبيصي على تـهذيب السعد، وعلى شرح الفاكهاني على القطر وغيرها.

وكالعلامة ياسين العمري الموصلي صاحب الدر المكنون، وتاريخ الموصل الحدباء، وتاريخ ملوك الزمان، وتاريخ القضاة وغير ذلك، والعلامة ياسين الخليلي شارح ألفية العراقي في السيرة،والعلامة المسند شيخ شيوخنا محمد ياسين الفاداني، وغيرهم ممَّن ليس من مقصود هذا المقام استيعاب ذكرهم.

وممَّن سمي طه من العلماء، وهو في المتقدِّمين نادر، لكنه في المتأخرين يكثر، فمنهم شافعي زمانه: طه بن عبد الله السادة اليمني، وطه بن محمد الجبرتي أو الجبريني الحلبي الشافعي المعروف بابن مهنا، وله تأليف في شرح أسماء أهل بدر، وآخر في الإسراء والمعراج أسماه "درة التاج".

ومنهم: الشيخ طه بن محمد الدمياطي الشافعي المصحِّح بدار الطباعة ببولاق، والشيخ طه ويقال: عمر بن محمد البيقوني المعروف بنظمه في الاصطلاح، والشيخ طه بن أحمد بن قاسم الكوراني البغدادي قاضي الموصل نظم المنار في الأصول، صاحب كتاب هدى الناظرين في شرح القسم الثاني من التذهيب لسعد الدين، والشيخ طه زين الدين القادري، وله منسك أسماه:" منهاج الابتهاج"، وغيرهم.

ومن العلماء من كثر ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أشعارهم وأسماء كتبهم بـ طه أو ياسين، مثل عبد القادر بن سعيد الفاروقي صاحب "شفاء العليل في مدح طه الجليل" في تشطير البردة الشريفة، وغيره.

ومنه قول الزمزمي الذي أورده السخاوي:

تشفَّع يا مسيءُ بذي المعالي... إمامِ الرُّسْلِ خيرِ الأنبياءِ

كريمِ الأصل طه مَنْ أتاه... يرومُ الأمنَ حلَّ عن الشقاءِ

عليه صلاةُ ربّي كلَّ حين... وسلَّمَ في الصباح وفي المساءِ

ومن لطيف وبديع شعر ابن عُنين الدمشقي الشاعر المجود البليغ وقد ألغز بصبي مليح اسمه ياسين:

وشادنٍ أبصرتُهُ قائماً......... يلعبُ بالتابوك في موسمِ

كأنه البدرُ وقد كُلّلت......... من عَرَقٍ خَدّاهُ بالأنجُمِ

وكلما أبعدها ركضُهُ.......... عادتْ على أقدامه ترتمي

قلتُ له: ما اسمُكَ قُلْ لي فقد...أرَّفتَ من غير جراحٍ دمي

فمرَّ في لُعبته لاهياً.......... وقال حرفان من الـمُعجمِ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين