الموجز في التاريخ: سقيفة بني ساعدة وبيعة الصديق

ما إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كره المسلمون أن يبيتوا بلا إمام؛ فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، يتداولون الرأي فيمن يلي الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم التفوا حول زعيم الخزرج: سعد بن عبادة رضي الله عنه، يبايعونه خليفةً للمسلمين، ولما بلغ المهاجرين اجتماع الأنصار لذلك، وكانوا مجتمعين مع الصديق؛ لترشيح من يتولى الخلافة؛ قال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيبًا.

يقول عمر رضي الله عنه: فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة؛ فإذا رجل مُزمِّل بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلًا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله، وكتيبة الإِسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهطٌ منَّا، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت –هيَّأتُ- مقالة أعجبتني، أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدِّ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رِسْلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم؛ أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللَّهم إلا أن تسول لي نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جُذيلها المحكَّك، وعُذيقُها المرجب –أي: ذو الرأي والتدبير-، منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده؛ فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار[أخرجه البخاري].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين