المحبة والمودة

قد لا يعرف كثير من الناس الفرق بين الحب والود، مع أنَّ الفرق بين المعنيين مؤثر إلى حد كبير في فهم النص.

فالحب شعور باطن محله القلب، فإذا أظهره صاحبه وعبَّر عنه للمحبوب بأي صورة من صور التعبير كان ما أبداه ودًّا.

وصور التعبير قد تكون لفظيةً بأن يُخبره عن حبه له، وقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نفعل ذلك مع من نحبه في الله، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا أحبَّ الرَّجلُ أخاهُ فليُخبِرهُ أنَّهُ يحبُّهُ" وقد فعل ذلك بنفسه مع بعض أصحابه، فقال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "يا معاذ إني لأحبك".

ومن ذلك كذلك المدح والثناء الحسن الذي يكون باللسان، كقوله عليه الصلاة والسلام عن عبد الله بن عمر: نِعمَ العبدُ عبدُ الله..."

ومن ذلك المبادرة بالتحية وإلقاء السلام فهي تولد المحبة المفقودة وتذكي المحبة الموجودة: قال خير معلم للناس: "والَّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أولا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم".

وقد تكون صورة التعبير فعلية، من خلال الأفعال الدالة على الاهتمام الخاص كتقديم الهدية أو وقضاء الحاجات، أو الزيارة والاستزارة، أو الدعوة على الطعام، أو الاستشارة في الأمور الشخصية، أو السؤال الصادق عن الحال...الخ.

وكل هذه الأفعال حث عليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأن بنشرها تتقوى علاقة أهل الإيمان بعضهم ببعض، من ذلك ما ورد في الحديث الشريف: "تهادوا تحابوا".

وقد تكون صورة التعبير إيحائية، فيشعر المحبوب بمكانته الخاصة عند محبه من خلال نظراته أو ابتساماته أو حتى طريقة كلامه.

وقد بلغ نبيُّنا الأكرم صلى الله عليه وسلم المقام الأعلى في هذا الفن كذلك، فقد جاء في حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: "ما رأَيتُ أحدًا أكثرَ تبسُّمًا من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم".

حتى أن أصحابه كان يشعر كل واحد منهم بأنه يحظى بالمكانة الأولى في المحبة لديه، الأمر الذي حفَزَ عمرَو بنَ العاص رضي الله عنه وهو ممن تأخر في أسلامه أن يسأله: يا رسول الله أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ وكان ينتظر أن يقول له: أنت!!

من هذا المنطلق يمكننا أن نفهم العلاقة المُثلى التي ينبغي أن يكون عليها حالُ الزوجين المتحابين، وهي منطوق الآية الكريمة: (وجعل بينكم مودة ورحمة) ولم يقل ربنا سبحانه: محبة ورحمة، لماذا؟

الجواب: لأن المحبة القلبية وحدها لا تكفي لحصول الانسجام التام اللائق بتلك العلاقة الوثيقة، بل اللائق بها إظهارُها والإفصاح عنها بجميع الصور آنفة الذكر، كالمغازلة والملاطفة والملاعبة والمهاداة والإطعام باليد ونحو ذلك مما لا يدَع مشاعرَ الحب حبيسةَ الصدر، ولذا رغَّب نبينا عليه الصلاة والسلام بالزواج من الودود، أي التي تتودَّد لزوجها، وتتملقه فتستحوذ على قلبه، فيقع الوئام، وتستمر العلاقة وتستدام.

وعلى ضوء ما تقدم، يمكننا أن نفهم دلالة الآية الكريمة الآتية بشكل دقيق: (إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)

السؤال: لماذا قال الله تعالى: "ودا" ولم يقل: "حبا" ؟!!

الجواب: أن الود يفيد وصولَ رسالة المحب بالحب إلى المحبوب، فيشعر بها ويلمسها وينعم بها، سواء أكان المراد من الآية أن المؤمن الصالح يحبه الله، فإذا أحبه أرسل إليه من الرسائل المختلفة ما تطمئن به نفسه إلى الشعور بمحبة الله إياه ومعيته له، وهذا أساسًا مفادُ اسم الله الودود.

أو يكون المراد بالمودة هنا مودة الخلق، أي إلقاء المحبة عليه من الناس إلى درجة إظهار ذلك الحب له وشعوره به، وهذا لا يتعارض مع المعنى الأول بل يتماهى معه وهو نتيجة له، فقد جاء في الحديث الشريف: " إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض...".

اللهم اجعلنا ممن تحبهم ويحبونك، فينالون رضاك ومودتك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين