بدائع القرآن الكريم

القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي أنزلها الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وهو معجز للإنس والجنّ. وقد تحدّاهم أن يأتوا بقرآن مثله فعجزوا وهم حريصون أن يفعلوا ذلك ليبطلوا دعوى أنه من عند الله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، ثم بسورة مثله ثم بسورة من مثله أي أقل منه روعة وجمالاً فعجزوا فهددهم - إن لم يؤمنوا به - بالنار التي وقودها الناس والحجارة:

قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)) سورة البقرة.

هذا، وقد استعمل القرآن الكريم كلمات استعمالاً مذهلاً في الفصاحة والبلاغة وجمال الأسلوب، فاستخدم الكلمة الواحدة في آيات عديدة بحيث تعطي في كل آية معنى جديداً مختلفاً عن غيره، وأضرب مثالاً على ذلك كلمة (اتخذ)، فقد وردت في آيات عديدة من القرآن الكريم وبمعاني مختلفة تتناسب مع سياق الآية الكريمة.

وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً: أنجب واختار لنفسه ولداً ؛ فقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقال الجاهليون الملائكة بنات الله...

وتأتي (اتَّخَذَ) بمعنى: (عَبَدَ) كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) سورة العنكبوت 41.

فكلمة (اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ) جاءت بمعنى عبدوا، وأما: (اتَّخَذَتْ بَيْتًا) فمعناها نسجت بيتاً.

وقوله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) سورة مريم 81. أي عبدوا.

وتأتي بمعنى: (صنع وصاغ) كما في قوله تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) سورة الأعراف 148.

فالكلمة الأولى: (وَاتَّخَذَ) في الآية الكريمة جاءت بمعنى (صنع)، والثانية: (اتَّخَذُوهُ) تعني ألَّهوه وعبدوه.

وتأتي بمعنى: (سلك) كما في قوله تعالى: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) سورة الكهف 63.

وتأتي بمعنى: (سمَّى وَعَبَدَ) كما في قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) سورة التوبة 31.

وتأتي بمعنى: (جعل) كما في قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة المنافقون 2. أي جعلوا أيمانهم وقاية أو تقية من أجل تصديقهم فيما يحلفون عليه.

وتأتي بمعنى: (رضي) كما في قوله تعالى: (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) سورة المزمل 9، أي فارضه وكيلاً.

وتأتي بمعنى: (عَصَرَ أو تعصّرَ) كما في قوله تعالى: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) سورة النحل 67. وقد نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر.

وتأتي بمعنى: (أرخى) كما في قوله تعالى: (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) سورة مريم 17.

وتأتي بمعنى: (اختار واصطفى) كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) سورة النساء 125.

وتأتي بمعنى: (انتقى وأكرم): كما في قوله تعالى: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) سورة آل عمران 140.

وتأتي بمعنى: (اعتقد وضَمِنَ): كما في قوله تعالى: (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا) سورة مريم 78.

هذا هو القرآن الكريم الذي فيه عزنا ومجدنا، كما قال الله تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) الأنبياء 10. فمن تمسك به سعد وابتعد عن الشقاء، كما قال تعالى: (طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2)) سورة طه. ومن أعرض عنه شقي في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125)قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126)) سورة طه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين