على طريق السكن ـ 2 ـ

الاقتصاد في النظافة


د. مبروك عطية


كتبت هذا العنوان، وأنا مدرك أن الحضارة تقتضي الكمال في النظافة؛ ولكن الكمال المطلق لله وحده، وقد رأيت نوعًا منَ النساء صعبًا في هذه الزاوية على درجة الجنون، نمطيَّة إلى درجة التعسير، فلو لمحتَ شيئًا لا يُرى بالعين المجردة، ولمحتْه هي بعين البصيرة، قامت قيامتها، ولو دخل أي إنسان بالحذاء وداس فوق السجاد، فقد حدث زلزال، "وهات يا صراخ"، و"يا حرام عليك وعلى الذي ربَّاك بهذه الطريقة"، وأنت لا تفهم ولا تسمع، ولا ترى ولا تحس، هذه أخلاق بهائم، وتلك سلوكيات من لم يتدرب على النظافة والنظام، تقول هذا لولدها، الذي هو قطعة منها، كل ما حدث أن الولد رجع من المدرسة جوعان، فدخل الشقة بالحذاء، وهي قد وضعت دواسة بالباب تخلع فوقها الأحذية، فلما أنسى الجوعُ ابنَها، لم تنسَ هي أن تسمَّ بَدَنه بكلامها.
الوالد بالداخل يرى ويسمع، قالتْ فيما قالت للولد.
♦ "الله يقطعه ويقطع أباه وأخته"، يا شيخة، والله أنتِ لا يستطيع أحد أن يعيش معك، فهذا البيت جهنم الحمراء، ارحمي مرة، اعذري مرة، سامحي مرة، أنا أنظف مكانه، أخته تنظف مكانه، "أنت ربنا يأخذك نظفي مكانه"، وما كان منها إلا أن قالت:  هذه فوضى.
فلَدَيْنا امرأة لا تبالي بنظافة بيتها، فإذا دخلتَه، قلت: لقد سبقتك هي بلحظات بعد هجره أعوامًا، آثار قديمة من الطعام والشراب صبغت الفراش والأثاث، وأكواب في كل مكان، وكرسي مكسور لم يجد سبيلاً إلى إصلاحه، واستبد في مكانه، فلم يسمح بجديد يحل محله، ولم يخرج صدقةً لأحد المحتاجين الذين يصالحونه ويستمتعون به.
ولدينا كذلك امرأة على النقيض، تلمع كل شيء وتجري وراء أي شيء يعلق هنا أو هناك، كل شيء مرتب ونظيف جميل، فندق مائة نجمة، لم يُبْنَ بعدُ، وهذا البيت الراقي اللامع المشرق لا يصلح للإقامة إلا إذا كان على هيئة الفندق ونظامه، مكان يستمتع به النزلاء ثم يتركونه، أسمى آيات الرجاء أن تكون إقامتهم مريحة، وأن يعودوا مرة أخرى، ويقوم عمال النظافة بإعادة ترتيب الأجنحة والغرف، وإعادتها على أحسن مما كانت عليه قبل أن ينزل بها العميل الأول.
فتصور أنك نزلتَ فندقًا جميلاً، وحدث منك شيء يخلُّ بنظافة الغرفة وهيئتها الجميلة، أو استعملت فوطة ووضعتها في غير موضعها، فرأيت جهاز إنذار يصرخ فيك، وكأنك كنت تدخن في حمام الطيارة، وإذا بهذا الجهاز يناديك قائلاً لك: يا مهمل، يا فوضوي، يا مَن لا تعرف الذوق، حرام عليك، هل يطيب لك مقام فيه، ولو كان ألف نجمة، حتى لو كان بلا ثمن؟ إنك تودُّ الفرار منه، فقد أزعجك وبالغ في إيذائك، فأنت مشمئز منه، ومن الأصوات التي تنزل فوق رأسك كأنها السياط الضاربة في عمق جلدك، والبيت غير الفندق، وجميع أفراده شركاء في نظافته؛ لكن ليس إلى هذا الحد من المبالغة، لو ربَّت المرأة ابنها على أساس أن ينظف موضعه، كأن يرتِّب سريره، وأنه إذا نسي ودخل البيت بالحذاء، فقضى حاجته أو تناول لقمة أو شرب شربة، ثم قام بنفسه بعد ذلك بإصلاح ما أفسد، وأمسك "المقشة" بيده إن كان قادرًا، وأعاد لها البيت كما كان - لكان ذلك أطيب لها، ولولدها، ووالده الذي ترك لها البيت ودعاه معه إلى تركه قائلاً: "تعال معي يا بني نبحث عن مكان نقعد فيه، بعيدًا عن هذا الغم والهم الأزلي".
وهو سماه أزليًّا، مع أن الأزل هو الضارب في عمق الزمن القديم قبل أن يكون هناك زمن؛ لكنها المبالغة التي تورث مبالغة، والسوء الذي ينجب السوء، هكذا تكون الزوجة المبالغة سببًا "لتطفيش الطير من العش"، ونحن نريد أن يكون البيت عشًّا سعيدًا هادئًا، والوسطية في كل الأمور مطلوبة، ولا غرو من التجاوز عن بعض الأشياء، وإنما أعني بها المقاربة؛ لأن هذا توجيه النبي - صلَّى الله عليه وسَلَّم - وهديه وإرشاده، ومعناه - كما قلت -: إن لم تصل إلى ذروة الكمال في عمل الصالحات، فاقترب منه؛ أي: حاول ولا تيأس، والمقاربة فيها الرضا لمن وفقه الله - تعالى.
وأتمنَّى كذلك ألاَّ تصرخ المرأة في البيت بسبب أن طفلاً أو طفلة رمى بكوب على الأرض فانقلب، أو وقع منه غير قاصد، هنالك يصحو الزوج مِن نومه إن كان نائمًا، ويقول: "فيه إيه، البوليس كبس".
فإذا علم بما حدث، قال: حسبي الله ونِعْم الوكيل، وعاد إلى النوم الذي ظنه ما زال منتظرًا، وكان في الحقيقة قد طار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين