ما الذي تحتاجه مناهج التعليم الشرعي وكيف يمكن تطويرها

بين الفينة والأخرى يكتب بعض الغيورين مقالات ينتقدون فيها التعليم الشرعي سواء كان تعليماً أكاديمياً رسمياً، أو تعليماً في المعاهد التقليدية الأهلية، ويطالبون بتعديل مناهجه وتطويره، دون أن يشيروا بوضوح إلى أماكن الخلل أو مواطن الضعف في تلك المناهج وذلك التعليم، وفيما يلي سوف نسلط الضوء على مجموعة من النقاط المهمة التي تسهم مراعاتها في تطوير التعليم الشرعي سواء كان رسمياً أكاديمياً أو أهلياً في المعاهد الشرعية التقليدية:

أولاً: أهمية الأصالة وضرورة المعاصرة:

تفتقر مناهج التعليم الشرعي الأكاديمي في الثانويات والجامعات الرسمية التي تشرف عليها الحكومات إلى التأصيل العلمي الدقيق، فالطالب الذي يدرس في الثانويات الشرعية الحكومية وكذلك الجامعات الرسمية بعد الثانوية العامة، يقتصر في دراسته على المناهج المعاصرة التي ألفتها لجان علمية أو باحثون معاصرون، ومع أهميتها وفائدتها إلا أنها لا تمكّن الطالب من الرجوع إلى المصادر الأصيلة في علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية، فمن يقرأ الفقه بكتب معاصرة لا يستطيع أن يفهم ما كتبه العلماء في العصور الأولى سواء من حيث العبارة أو الأسلوب، كما لا يمكنه أن يخوض في مصادر ومراجع ذلك العلم، وكذلك باقي المواد من أصول الفقه والتفسير واللغة العربية والفلسفة والعقيدة وعلم الكلام، فالكتب المعاصرة لا تغني عن تأصيل الطالب في الكتب التي تعدّ المصادر الأصيلة للعلوم الشرعية والعربية، بل لا بد من اطلاعه على مصادر كل علم وتمرينه على القراءة فيها وكيفية الاستفادة منها، ومعرفة تاريخ كل علم ومَن هم أهم العلماء السابقين في ذلك العلم وما هي أهم المصادر فيه، كما يظهر الضعف في بعض كليات الشريعة الإسلامية في الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم والسنة النبوية، فيتخرج الطالب وهو لا يحفظ إلا بضعة أجزاء من القرآن الكريم وبعض الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، أضف إلى ذلك أن أغلب الذين يدرسون في الجامعات الرسمية يفتقرون إلى التطبيقات العملية ولذلك يلاحظ فيهم الضعف في تلاوة القرآن الكريم وتطبيق أحكام التجويد، كما يلاحظ فيهم الضعف في الإلقاء والخطابة والمشاركات الاجتماعية، ويقتصر دور أغلبهم على تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس الرسمية، دون أن يكون لهم دور فاعل في المجتمع كالخطابة والإمامة والمشاركة في الفعاليات الاجتماعية كالإصلاح والمناسبات.

ومن ناحية أخرى فإن الذين يقتصرون في دراسة العلوم الشرعية على كتب التأصيل والمناهج القديمة كما تفعل بعض المعاهد الأهلية التقليدية، يفتقرون إلى فهم الواقع الجغرافي والسياسي الذي يعيشون فيه، ومواكبة ذلك الواقع وفهم مشكلاته، ولذلك تجدهم بدل أن يعالجوا مشكلات واقعهم يغوصون في مشكلات التاريخ ويعيدون إنتاجها، فيناقشون أفكاراً لتيارات مضت وانتهت منذ مئات السنين، ويعالجون أفكاراً لفِرَقٍ لم تعد موجودة إلا في كتب تاريخ المذاهب والأديان، بينما يغيب عنهم الواقع بتياراته وأفكاره ومشكلاته وأحزابه ودوله.

وعلى سبيل المثال فإن دراسة السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء دون مراعاة الزمان والمكان الذي حصلت فيه تلك الأحداث يضع الكثير من الدعاة في مأزق عندما يحاولون تنزيل أحداث التاريخ على الواقع للوصول إلى نفس النتائج، ولذلك فعندما تتحالف بعض الدول في حرب على دولةٍ مسلمةٍ يشبّهون ما يحصل بغزوة الخندق عندما تجمّع الأحزاب لقتال المؤمنين في المدينة، ويظنون أنهم سيصلون إلى ذات النتائج من خلال مقارنة صورة بصورة، متجاهلين الاختلاف في الزمان والمكان والعدة والعتاد، وهذا نتيجة طبيعة لمناهج وطرائق التعليم، فعندما تعمد بعض المعاهد إلى طلابها فتحبسهم في سكن داخلي مغلق لسنوات ثم تملي عليهم كتباً وعلوماً قد كتبت قبل ما يزيد على خمسمائة عام فسوف يعيشون في ذلك الزمان ويخرجون وهم يفكرون كما كان يفكر الناس قبل خمسمائة عام.

وكذلك الحال بالنسبة لمادة العقيدة الإسلامية فأغلب المعاهد الأهلية لا تفرق في مناهجها بين مادة (العقيدة) والتي تؤخذ من القرآن الكريم وصحيح السنة وبين مادة (علم الكلام) والتي تعد جزءاً من تاريخ الفكر الإسلامي وجاءت نتيجة الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة، فيدرس الطالب علم الكلام والردود على المعتزلة على أنها عقيدة يدين بها لله عز وجل، فيختلط الإيمان بالفلسفة وعلم الكلام وتتشكل عنده عقلية جدلية بردود على فرق قد زالت وانتهت منذ مئات السنين، وكذلك ما يتعلق بباقي المواد كالفقه واللغة العربية فكلها مواد بمناهج قديمة تعزل الطالب عن ثقافة عصره ومشكلات زمانه ليغوص في ثقافة ومشكلات العصور الماضية، نعم لا بد من تمكين الطالب في قراءة الحواشي والكتب القديمة كما ذكرنا سابقاً، لكن على أنها مصدرٌ وتاريخٌ للعلم في تلك المادة التي يقرؤها، وليس على أنها حلول جاهزة يبتناها ويؤمن بعصمتها وحتميتها، ومما تقدم يظهر لنا ضرورة التأصيل بالنسبة للتعليم الشرعي الرسمي، وضرورة المعاصرة والتطوير بالنسبة للتعليم الشرعي في المعاهد الأهلية التقليدية.

ثانياً: أهمية علم التربية والإرشاد التربوي:

مع التطور الكبير الذي يشهده علم التربية والإرشاد التربوي والدراسات الجديدة في السلوك الإنساني إلا أنك تجد الكثير من المعاهد الشرعية والتي يعتبر السلوك الإنساني جوهر رسالتها لا تهتم بشيء من هذه الدراسات ولا يطّلع الطالب في الثانويات الشرعية ولا كليات الشريعة الرسمية ولا المعاهد التقليدية الأهلية على شيء من تلك الدراسات مع ما فيها من نتائج مذهلة في وسائل وأساليب تطوير السلوك الإنساني.

إن دراسة السلوك الإنساني بناء على ما جاء في الكتب القديمة هو كمن يدرس الطب بناء على ما كتب قبل خمسمائة عام، ومن هنا فإن هذه المعاهد والثانويات والكليات تفتقر بشكل كبير إلى الإفادة من نتائج الدراسات التربوية سواء كانت عربية أو غربية، لتطويعها كأساليب تمكّن الداعية من فهم السلوك الإنساني والقدرة على طرح حلول حقيقية لما يعانيه المجتمع من مشكلات سلوكية وأخلاقية، فعلم النفس التربوي ونظريات السلوك الإنساني وما يتعلق بالصحة النفسية والإرشاد التربوي كلها مواد مهمة يحتاجها طالب العلوم الشرعية ليستعين بها في تحقيق رسالته ودعوته.

وختاماً لا بد من الإشارة إلى أن القصور في مناهج وأساليب التعليم الشرعي وطرح الحلول المناسبة له لا يمكن الإحاطة به في هذا المقال وإنما هو دعوة للقائمين على مؤسسات التعليم الشرعي أن يتداعوا لوضع معايير الجودة اللازمة وتطوير هذه المؤسسات بما يضمن إنتاج جيل قادر على الريادة في عصر يتغير كل يوم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين