تقريب سورة المعارج

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليما كثيرًا، أما بعد؛ فهذا تقريب سورة المعارج من تفسير: (في ظلال القرآن) لسيد قطب.

هذه السورة جولة من جولات المعركة الطويلة، التي خاضتها السور المكية داخل النفوس، وقد كانت معركةً أضخم من المعارك التي خاضها المسلمون فيما بعد، كما أن العقبات أمامها كانت أعظم من القوى التي كانت مرصودة ضد الدعوة، وما تزال.

تعالج هذه السورة الحقيقة التي جاءت سورة الحاقة تعالجها وتقررها، حقيقة الآخرة وما فيها من جزاء، وإذا كانت سورة الحاقة قد عالجت تلك الحقيقة من خلال تصوير الهول والرعب في ذلك اليوم، مُمثلًا بدك الأرض والجبال، وغيرها من مشاهد القيامة؛ فإن سورة المعارج صورت الهول والرعب متجليًا في ملامح النفوس وخلجاتها، أكثر من تجليه في الكون وحركاته، حتى إن مشاهد الكون التي ذكرت في هذه السورة يكاد الهول يكون فيها نفسيَّاً، بل إن السورة قد صورت لنا جهنم نفسًا ذات مشاعر، تشارك الأحياء صفةَ الهول، وكذا العذاب في السورة يغلب عليه الطابع النفسي أكثر من الطابع الحسي، وقد ناسب هذا التناول النفسي لحقيقة الآخرة؛ أن تصور لنا السورة النفس البشرية في حالتي الإيمان والكفر، ثم تستطرد في تصوير صفات النفس المؤمنة؛ تماشيًا مع طبيعة السورة وأسلوبها.

﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)﴾ [المعارج: 1 - 7] كانت حقيقة القيامة التي تعالجها هذه السورة من الحقائق العسيرة الإدراك عند مشركي العرب، كانوا يتلقونها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغاية الدهشة والاستغراب، ويتحدونه أن يأتيهم بها، أو يقول لهم متى تكون، ومطلع هذه الآيات تحكي أن هناك سائلًا سأل وقوعَ العذاب واستعجله، وتُقرِّرْ أن العذاب واقع فعلًا، وأن أحدًا لا يمكنه دفعه ولا منعه، وهذا العذاب للكافرين، سواء السائلين المستعجلين له، أم كل كافر من غيرهم، عذاب واقع ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾.

بعد ذلك تأخذ السورة تصف ذلك اليوم، الذي سيقع فيه العذاب الذي يستعجلونه، وهو قريب منهم، ولكن تقدير الله ومقاييسه ليست كتقدير البشر ومقاييسهم، ففي ذلك اليوم: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ يعرجون في شؤون ذلك اليوم ومهامه، ولا ندري نحن كيف يصعدون، ولا إلى أين يصعدون، وحسبنا أن نعلم أن الملائكة ومعهم جبريل ينشغلون بمهام ذلك اليوم العظيم، الذي مقداره خمسين ألف سنة من سني أهل الأرض، ولذا يرى الكافرون العذاب بعيدًا، وهو عند الله قريب، وما على الرسول وأتباعه إلا الصبر الجميل، أمام استعجال الكافرين العذاب وتكذيبهم بيوم القيامة، والصبر الجميل هو الصبر المطمئن، الذي لا يصاحبه سخط ولا قلق، ولا شك في صدق الوعد، والدعوة للصبر ضرورية؛ لثقل العبء، ومشقة الطريق وطوله، لتبقى النفوس متماسكة راضية، موصولة بالهدف البعيد، متطلعة كذلك إلى الأفق البعيد.

ثم ترسم السورة مشاهد اليوم الذي يقع فيه العذاب، ترسمها في الكون، وفي أغوار النفس، وهي مشاهد تشي بالهول المذهل المزلزل؛ فتقول: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)﴾ [المعارج: 8 - 14] الـمُهل هو المعدن المذاب، والعهن هو الصوف المنتفش، وهو مشهد للسماء والجبال يشي بما وراءه من الهول المذهل، الذي ينطبع في النفوس، فيعبر عنه القرآن أعمق تعبير بقوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ فالناس في همٍّ شاغل، لا يلتفت أحدٌ لأحد، قد قطع الهول المروع جميعَ الوشائج، وحبس النفوس على همِّها لا تتعداه ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ ينظر بعضهم إلى بعض، ولا يهجس ببال صديق أن يسأل صديقه عن حاله، فالكرب حفَّ الجميع، والهول غشي الجميع.

أما المجرم فالرعب والهول قد ذهب بنفسه، يودُّ في ذلك الموقف أن يفتدي من العذاب بأعز الناس إليه، ممن كان يعيش لهم، ويفديهم بنفسه في الحياة، بنيه وزوجته، وأخيه وعشيرته التي تؤويه؛ بل إن لهفته الطاغية، ورغبته في الإفلات من العذاب لتفقده الشعور بغيره على الإطلاق؛ فيود لو يفتدي بمن في الأرض جميعا لينجو، وبينما المجرم في هذا الكرب، يسمع ما يقنِطه من كل بارقة أمل ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)﴾ [المعارج: 15 - 18] كلا: ردعٌ عن الأماني في الافتداء بالبنين والزوجة، والأخ والعشيرة وغيرهم، فالمصير نار تتحرَّق، وتنزع الجلود عن الوجوه والرؤوس نزعًا، تدعوه إليها فلا يملك أن يُدبر ويتولى، كما كان يُدبر ويتولى عن الهدى في الدنيا، وينشغل بجمع المال وحفظه في الأوعية، ويبدو من هذه الآيات التي تشير إلى جمع المال والبخل به -وقد سبق مثلها في الحاقة والقلم- أن الدعوة في مكة كانت تواجه حالات جمع المال، والجشع والبخل به؛ إضافة إلى الكفر والتكذيب؛ مما اقتضى تكرار الإشارة إليه هنا، والتخويف من عاقبته، وأنه من موجبات العذاب؛ بعد الكفر والشرك بالله تعالى.

بعد أن انتهت السورة من تصوير الهول في مشاهد القيامة؛ اتجهت لتصوير حقيقة النفس البشرية في مواجهة الخير والشر، في حالتي الإيمان والكفر؛ فقالت: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾ [المعارج: 19 - 21] صورة الإنسان الخاوي قلبه من الإيمان كما يرسمها القرآن صورةٌ عجيبة في صدقها، ودقة تعبيرها عن ملامحه الأصيلة فيه، التي لا يعصمه منها إلا الإيمان بالله تعالى، يعصمه من الجزع عند ملاقاة الشر، ومن الشح عند امتلاك الخير، فالإنسان خلق هلوعًا جزوعًا عند مس الشر، يحسبه سرمدًا لا يتغير ولا يتبدل؛ فيأكله الجزع، وهو منوعٌ إذا ما قدر على الخير، يحسبه من كسبه فيقبض عليه، لأنه لا يدرك حقيقة الرزق، ودوره فيه، ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه؛ لأنه منقطع عنه، خاوي القلب من الإيمان به، وتلك صورة بائسة للإنسان الخاوي قلبُه من الإيمان، وهي صورة يبدو من خلالها الإيمان بالله مسألةً ضخمةً في حياة الإنسان، فليس هو كلمة تقال باللسان، ولا شعائر تعبدية تقام؛ بل الإيمان حالة نفس ومنهج حياة، وتصور كامل للقيم والأحداث والأحوال، وعندما يخلو القلب منه؛ يتأرجح ويهتز، ويبيت في قلق وخوف دائم، سواء أصابه الشر أم الخير، فهو بين جزع ومنع، وأما حين يغمره الإيمان؛ فهو في طمأنينة وعافية، يطمئن لقدر الله، يقدِّر ابتلاءه، ويتطلع إلى فرجه، يعلم أنه ينفق من رزق الله، وأنه مجزي عليه إن أنفقه في سبيله، معوض عنه في الدنيا والآخرة، فالإيمان كسب في الدنيا والآخرة.

ثم تفصل السورة في صفات أهل الإيمان المستثنين من الهلع والجزع فتقول: ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾ [المعارج: 22، 23] الصلاة ركن الإسلام، وعلامة الإيمان، وفوق ذلك وسيلةُ الاتصال بالله، يداوم عليها المؤمنون، لا يقطعها الترك، ولا الإهمال والكسل، فهي صلة بالله مستمرة، غير منقطعة، ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)﴾ [المعارج: 24 - 26] فهم على صلتهم بالله على صلة أيضًا بإخوانهم المؤمنين، يجعلون لهم في أموالهم نصيبًا، يشعرون أنه حق لهم، للسائل: الذي يتعرض لهم بالسؤال، أو للمحروم، الذي لا يعبر عن حاجته فيُحرم، يتخلصون بذلك من ربقة الشح، ويستعلون به على الحرص.

﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)﴾ [المعارج: 26 - 28] التصديق باليوم الآخر صفة ذات علاقة مباشرة بموضوع السورة الرئيس، له أثرٌ حاسمٌ في حياة المؤمنين، شعوراً وسلوكاً، فالمؤمن يعمل وينظر إلى ميزان السماء، لا إلى ميزان الأرض، ولحساب الآخرة، لا إلى حساب الدنيا، بخلاف المكذب بيوم الدين، الذي يتحرك في حدود هذه الأرض فقط، وفي حدود عمره هو، ولا يحسب للآخرة حسابًا؛ فتختلف موازينه في الدنيا، وينتهي إلى نتائج خاطئة، يتحسر عليها في الآخرة؛ ومن ثمَّ كان الإيمان بالآخرة شطرَ الإيمان، الذي يقوم عليه منهج الحياة في الإسلام، وهم فوق إيمانهم باليوم الآخر على درجة من الرقابة واليقظة، والشعور بالتقصير في جناب الله تعالى، فيخافون عذابه؛ لأن عذابه غيرُ مأمون، قد يقع في لحظة غفلة، والله يريد من عباده هذه اليقظة من الغفلة، فأمَّا إن غلبهم ضعفُهم؛ فرحمته واسعة، ومغفرته حاضرة، وباب التوبة إليه مفتوح.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)﴾ [المعارج: 29 - 31] وهذه الصفة منهم دليلُ طهارةِ النفس والجماعة، ذلك أن الإسلام يبني منهم مجتمعًا طاهرًا نظيفًا، تُلبى فيه دوافع الفطرة بغير فوضى ترفع الحياء الجميل، مجتمعًا يقوم على أساس الأسرة الشرعية، يعرف كلُّ طفل فيها أباه، ولا يخجل من مولده؛ لأن العلاقة الجنسية فيه قامت على أساس نظيف، لها هدف واضح في النهوض بواجب إنساني واجتماعي، وليس لمجرد إرضاء الشهوة الجنسية ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ وهذا إغلاقٌ لكل باب في وجه القذارة الجنسية في أي صورة كانت؛ غير هاتين الصورتين: أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)﴾ [المعارج: 32] وتلك الرعاية تبدأ برعاية الأمانة التي حملها الإنسان، وأبت السماوات والأرض حملَها، أمانةِ العقيدة والاستقامة عليها، وبرعاية العهد الذي أُخذ على الخلق وهم في صلب آدم؛ أن الله ربُهم الواحد، وهم على ذلك شهود، ومن رعاية تلك الأمانة وذلك العهد؛ تنبثق رعاية سائر الأمانات والعهود في معاملات الأرض، التي شدد عليها الإسلام وأكدها، وجعل من سمات النفس المؤمنة أداء الأمانة، وحفظ العهود، وجعل من صفات النفس المنافقة خيانةَ الأمانة، وإخلافَ العهود.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)﴾ [المعارج: 33] القيام بالشهادة أمانة من الأمانات، أفردتها السورة هنا بالذكر؛ تعظيمًا لشأنهًا، وإبرازًا لأهميتها؛ لأن الله قد ناط بها حقوقًا كثيرةً، ناط بها حدوده فلا تقام إلا بقيام الشهادة، ومن القيام بالشهادة أداؤها بالحق، دون ميل ولا تحريف، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)﴾ [المعارج: 34] المحافظةُ على الصلاة غير الدوام عليها الذي ذكر مطلع هذه الآيات، يحافظ عليها في مواعيدها، وفي فرائضها وسننها وهيئاتها، وفي الروح التي تُؤدى بها، وذكر الصلاة في المطلع والختام يوحي بأهميتها.

وبعد أن ذكر سمات المؤمنين؛ ذكر المصير الذي هم صائرون إليه فقال: ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾ [المعارج: 35] وهم في نعيم حسي في جنات، وفي نعيم روحي مكرمون، وذلك جزاء على خلقهم الكريم.

بعد ذلك تعرض السورة مشهدًا من مشاهد الدعوة في مكة، المشركون يسرعون الخطى إلى رسول الله مهطعين، ثم يتفرقون عنه عزين، فتقول: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)﴾ [المعارج: 36، 37] المهطع من يسرع الخطى مادَّاً عنقه، والعزين جمع عزة، وهم المتفرقون جماعات، وفي الآية تهكم واستنكار لحالهم، فهم لا يقبلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليسمعوا ويهتدوا؛ بل ليستطلعوا في دهشة، ثم يتفرقوا حلقات، يتناجون بعده في الكيد والرد على ما يسمعون.

﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ [المعارج: 38] وهم على هذه الحال التي يكفرون فيها، ويؤذون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ يحسبون أنفسهم شيئًا عظيمًا عند الله؟ ﴿كَلَّا﴾ فهم يعلمون أنهم خلقوا من ماء مهين ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)﴾ [المعارج: 39] والقرآن في هذا التعبير الدقيق يمسح كبرياءهم مسحًا، وينكس خيلاءهم تنكيسًا، دون لفظة نابية، ولا تعبير جارح، فكيف يطمعون على كفرهم أن يدخلوا الجنة وهم مخلوقون من ماء مهين، وأكثر من ذلك تهويًا لأمرهم؛ ما جاء في الآية بعدها من أن الله قادر أن يخلق خيرًا منهم دون أن يعجزه ذلك ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)﴾ [المعارج: 40-41] ذكر المشارق والمغارب هنا يوحي بعظمة الخالق، وبضخامة الوجود من حولنا، وهل يستطيع أولئك المخلوقين مما يعلمون أن يهربوا من مصيرهم المحتوم؟

بعد ذلك يتجه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدع أولئك المكذبين ليوم العذاب، ويرسم مشهدهم فيه وهو مشهد المكروب الذليل ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)﴾ [المعارج: 42 - 44] يصورهم خارجين من قبورهم مسرعي الخطى، كأنما هم ذاهبون إلى النصب يعبدونها، وفي هذا تهكم بحالهم في الدنيا، وقد كانوا يسرعون الخطى إلى الأصنام في الأعياد، يتجمعون حولها، وشتان بين يوم ويوم، اليومَ يخرجون خاشعين ذليلين؛ بعد أن كانوا في الدنيا يخوضون ويلعبون فرحين ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين