ردود.. مطابقة للمواصفات (23)موعود.. موعود!

في كل مرة تجلسان فيها، ينتاب (منى) شعور غريب، ناتج عن ردات فعل صديقتها (سعاد)، تجاه كل الأزمات التي تحيط بها!

تتحدث (سعاد) وكأنها تخفي معلومات مفرحة، أو تملك بيانات سرية مبهجة، بينما يعجّ الظاهر بمآسٍ متراكمة، تكاد تغرق فيها!

أرادت (منى) في هذه الجلسة أن تعرف السر وراء الانشراح والراحة اللتين تعيش في كنفهما صديقتها العزيزة. شعور بالغيرة يعتريها، أو كما تسمى "غبطة"، وبغض النظر عن التسمية، فهي تحسّ بفضول كبير يدفعها لطرح الموضوع، ومعرفة أسباب سكينة (سعاد)..

بدأ الحديث حول معاناة كثيرين في ظل الوباء المنتشر، وإغلاق البلاد، وحجر الناس في البيوت، وصرف الموظفين من أعمالهم، وضيق الحال، وقلة الموارد، والضغط النفسي العام، وكلما ذكرت (منى) مؤشراً سلبياً، واجهتها (سعاد) بتفسير إيجابي، وفاجأتها بقدرتها على استنباط شعاع نور في وسط الظلام الدامس!

ارتفعت نبرة صوت (منى)، وقالت بانفعال: من أين تأتين بهذه القوة يا (سعاد)؟ كيف تستطيعين أن تكوني متفائلة في خضم هذا البؤس الذي يحيط بنا من كل جانب؟!

أجابت (سعاد): لأنني موعودة.. هزت (منى) رأسها يمنة ويسرة، تستفسر منها بالإشارة.. أكدت (سعاد) مرة ثانية: نعم، لأنني موعودة، موعودة بكل خير وفرح وسعادة، فأنا مرتاحة حتى مع الظروف الصعبة، موعودة بالأفراح، وأنتظر تحقيقها.. أغمضت (منى) عينيها، وفتحتهما بسرعة، وكأنها تريد أن تتأكد أنها لا تحلم، فرأت وجه (سعاد) موشح بابتسامة لطيفة.. إذن، لم تكن تحلم، لقد سمعت ما قالته (سعاد)، يبقى أن تسأل عن السبب.. وقبل أن تطرح سؤالها، بدأت الصديقة الصادقة تتكلم:

(لو جاءتك رسالة يا (منى) من مصدر تثقين بصدقه وأمانته، وقرأتِ فيها أن الجهة المرسِلة تعدك بأن تضع في حسابك في وقت قريب، مبلغاً ضخماً، يكفيك وعائلتك مدة طويلة، ويضمن لكم عيشة رغيدة، ماذا كنت ستشعرين؟ لمعت عينا (منى)، واتسعت حدقتاهما، وردّت بشهقة خرجت من أعماق قلبها: سأشعر أنني أطير من الفرح، وأن لي جناحان سيحملاني إلى عالم الطمأنينة والأمان، أكملت (سعاد): مع أنك وقتها لم تستلمي بعد ولا ليرة واحدة مما وعدتِ به، فما الذي سيجعلك في تلك الحالة آنذاك؟ أجابت (منى): صدق الجهة المرسلة، وأن ما جاءني في الرسالة حق..

وضعت (سعاد) يدها على عضد صديقتها، وقالت: إذن لماذا تلومينني على طمأنينتي وراحتي، وتستغربين سروري، والذي وعدني هو رب العالمين؟! ألم تقرأي يا (منى) وعود الله في كتابه المرسل إلينا: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، وَعْدَ الله حقّاً، ومن أصدق من الله قيلاً)، وقوله عز من قائل: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكنَ طيبة في جنات عدن، ورضوان من الله اكبر، ذلك الفوز العظيم)، وقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم)؟!

أفندير ظهورنا لكل تلك الوعود، ونسمح لليأس أن يقتل الأمل فينا، يا (منى)، أيكون أهل الأرض أسعد منا بوعود بعضهم بعضاً، ونشقى نحن بوعود الله الملك الحق لنا؟! لا تكوني من الأكثرين الذين لا يعلمون، ولا يصدقون، فربنا القائل: (ألا إن وعد الله حق، ولكن أكثرهم لا يعلمون)، ولا تجعلي ظاهر الحياة الدنيا يخدعك، ولا تتركي الظروف تشوه مشاعرك، فأنت معك مفتاح الراحة والسكون، إجعلي قلبك يصدّق، وذكّريه دوماً بمضمون رسالة ربك: (يا أيها الناس إنّ وعد الله حق، فلا تغرنّكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور)..

حققي الشرط يا (منى)، وعيشي كل لحظة بسعادة، وأنت تنتظرين الوعد..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين