وعينا بين قصور التجديد

يُعرّف الوعي في علم النفس على أنه: مجموع ما يُتحصّل من الشعور والإدراك والنزوع. 

لكن في الساحة الثقافية العامة يُطلق كلمة وعي ويُراد بها الإدراك، أو الشعور.

بالمحصلة فالوعي: هو ما يُكون لدى الإنسان من أفكار، وتصورات، ووجهات نظر، ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله.

والوعي أيضاً هو محصلة عمليات ذهنية وشعورية معقدة.

فالتفكير والحدس والخيال والأحاسيس والمشاعر والضمير والمبادئ والقيم ونظم الحياة العامة والظروف التي يمر بها الانسان كلها تساهم في تشكيل وعيه.

كما يتأثر وعي الإنسان بالبيئة والمحيط والمجتمع الذي يعيش فيه.

والوعي لا يستطيع أن يدرك الواقع والعالم ويحيط به من خلال الحواس وحدها لذلك يلجأ الوعي إلى القياس والاستقراء والتعميم.

وذلك كله في سبيل إيجاد قواعد ومنطلقات وأساليب يتعامل من خلالها مع أحداث الوجود، مما يُوّلد لديه صور ذهنية وتصورات عن الأشياء والأشخاص والشعوب والوقائع والأحداث.

فالصور الذهنية أو التصورات هي عبارة عن: مجموع المعارف والمعتقدات التي يحتفظ بها الفرد عن نفسه وعن العالم الخارجي، وفق نظام عقلي ثقافي وجهد هائل يقوم به الوعي.

وفائدة هذه التصورات للوعي كبيرة إذ من خلالها يستطيع أن يُشكل صوراً مبسّطة ومختصرة لما يرغب بالتعامل معه من العالم الخارجي. 

إنّ مهمة الوعي الأساسية هي إدراك الواقع وفهمه ومعرفة كيفية التعامل معه.

وعند التدقيق على مكونات تشكيل الوعي ومهمته الأساسية نلاحظ الأمور التالية:

1- تصورات قاصرة ومحدودة ونسبية: 

إن التصورات التي يتشكل منها الوعي كثيرة ما تكون: قاصرة ونسبية ومحدودة نتيجة عدم القدرة على الاستقراء التام والاكتفاء بالاستقراء الناقص الذي لا يشمل جميع الحالات بجميع الأوقات لدى جميع الأشخاص.

2- تصورات زائفة و مشوهة: 

كما يمكن أن تكون هذه التصورات زائفة أو مشوهة نتيجة تفسيرات وتحليلات ظنية قام بها الوعي فالقطعيات هنا قليلة جداُ والمساحة للعقل والنظر.

3- تصورات جامدة: 

وهذه التصورات بسبب صعوبة بناءها وتشكيلها فإن الوعي يحاول الحفاظ عليها إلى أكبر قدر ممكن ولا يقوم بتغييرها، مما يولد جمود هذه التصورات عن إدراك الواقع المتسارع فضلاً عن فهمه.

4- تصورات جزئية: 

وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة.

5- تصورات حدسية: 

كما يمكن أن تكون هذه التصورات مباشرة وفجائية تجعلنا ندرك أشياء، أو علاقات، أو معرفة، دون أن نكون قادرين على الإتيان بأي استدلال يعزز تصوراتنا.

ومن هذه الملاحظات نستطيع تفسير وتفهم وجود بعض الأشخاص الذين يتحدثون في أمور سياسية واقتصادية بأسلوب يعتمد على مفاهيم نسخت من قرون، وتجاوزتها الخبرة البشرية وصار الأخذ بها يثير الضحك والاشفاق معاً!

وذلك بسبب جمود تصوراتهم الذهنية وعدم تجديدها.

بل إن البّث الفضائي والتواصل الكونيّ الهائل، ووفرة المعلومات التي لم تسبق في أي عصر مضى، جعل الوعي في مشكلة جديدة، حيث صار عليه أن يبرمج وينظّم خبراته بشكل متجدد.

وكذلك الواقع المتغير وحركة التاريخ المستمرة والوقائع المتجددة تتطلب من الوعي أن يكون دائم الاستعداد للتجديد من مفاهيمه وتصوراته.

وفي ظل تزاحم الواجبات وقلة الأوقات على الوعي أن يكون دائم التجديد لأحكامه ومعارفه وتصوراته لمعرفة واجب الوقت وتقديم الاستجابة الصحيحة 

التي يطلبها الزمان والمكان.

من هذا كله نستطيع القول: إن الوعي إذا لم يكن دائم التجديد لتصوراته ومعطياته التي يبني عليها الأحكام، سيتحول دوره من مهمّة إدراك الواقع ومعرفة كيفية التعامل معه، إلى وسيلة وأداة تحجُب الإنسان عن فهم الواقع وإدراكه بشكل صحيح فضلاً عن التعامل معه.

ويختلف وعي الأفراد عن وعي المجتمعات والجماعات، فعادة ما يتغير ويتجدد وعي الأفراد على نحو أسرع مما يتغير عليه وعي الجماعات والمجتمعات، لكن كلاً منهما يتغير على نحو تركمي.

إذا كان تجديد الوعي ضرورة ملحة إلى هذه الدرجة فما هي الطريقة وما هو السبيل إلى تجديده؟

هذه بعض الأمور التي تساهم في تحسين الوعي وتجديده:

1- أولاً معرفة أن التصورات والمفاهيم التي ينّتجها الوعي ليست قطعّية.

2- ثانياً متابعة المعطيات التي ينتجها الواقع على نحو مستمر.

3- ثالثاً التحلي بالمرونة الذهنية وعدم التشنّج أو الجمود على القرارات والمفاهيم السابقة التي نمّتلكها.

4- رابعاً التعّلم والقراءة المستمرة تساهم بشكل كبير في تحسين الوعي وتجديده.

5- خامساً فهم السنن والقوانين الربّانية وطبائع الأشياء والنّظم الكونية التي سّير الله الكون عليها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين