الإنسان ذلك المجهول

يجري على الألسن كثيرًا، وتخطه الأقلام، في شمائل الناس وفضائلهم، أن فلانًا هادئ النفس، سريعٌ فيؤه، كاظم لغيظته، مالك لغضبته.

ولدى التمعن عميقًا في النفس البشرية، نجد أنه مِن الغفلة عد كظم الغيظ مرتبة واحدة، ولكنه مراتب شديدة التفاوت: في النفس الواحدة، عند اختلاف أحوالها، وفي النفوس الإنسانية عمومًا، عند اختلاف نِسب تأثرها بما يصدر عن محيطها، واختلاف نسب الشفافية النفسية، والروحية فيها، واختلاف قدرتها على إدراك مراتب القبح والشر، المنفصل عن النفوس المسببة للغيظ والغضب.

فإذا (انتحى) بنا التمثيل إلى صفة غض البصر، ألفينا تفاوتًا لا يحيط به خيال، بين أصناف الناس الغاضين أبصارهم:

فلا يستوي مَن تسحره في صورة المرأة دقائق جمال، وتفاصيل حُسن، لا يراها غيره.

فيذوب لها فؤاده، أو يطير لبُّه لحديثها، وصفاء عقلها، أو يعشق فيها حياءها ودلها، أو يعجبه منها إرعاؤها على ولدها، وغير هذا كثير كثير جدًا...

هل يستوي هذا، وآخر يَراهُنَّ كلهن نساء، رَكَّبَ اللهُ عز وجل فيهن مِن صفات الأنوثة، ما ركبه في سائر الثدييات؟!

ثم اسرح بفكرك في ثالث الأمثلة المقرِّبة، وهو قولنا في حق إنسان: إنه رجل قوي الجِلاد، ذو نفس صبور، وإرادة ماضية.

وبين هذه الأمثلة، مراتب لا يحيط بها حصر، ولكن الذوق الإنساني، والسر المكنون في النفس البشرية، يدركها بيقين وانشراح؛ ليصل إلى أن تفاوت النفوس في يقظة الباطن، ورهافة المشاعر، وذكاء العاطفة، يتبعه تفاوت في كل الصفات التي يمنحها البشر بعضَهم أو ذواتهم.

فصارت الصفة الواحدة في الاسم، صفات متباينات، متباعدات، في الحقيقة.

وصار الإنسان في باطنه، وعالَم سره، معجزة نراها ولا نراها، ونعلمها ونجهلها، وصفحة نتفاوت في قراءة سطورها وحروفها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين