أهمية تغيير العادات السيئة

من الأخطاء الدارجة عند الناس قولهم حين يُذكر من فيه عادة سيّئة أو طبعٌ قبيح: "مَن فيه طبعٌ لا يتغيّر"، و"الطبع يغلب التطبّع"، و"من شبّ على شيءٍ شابَ عليه". وهي مقولات نابعة من ملاحظتهم لبقاء الكثير من الأفراد على صفات وطباع اعتادوا عليها منذ الصغر وفشلهم في تغييرها. ولكني لستُ مع هذه المقولات الاختزالية والتي تحمل نفَسَ الجبرية وتُحقّر من قدرة الإنسان على الارتفاع ومكافحة الهوى وبناء عادات جديدة مستقرّة تنسخ عاداته القديمة.

وبداية أقول: صحيحٌ أنّ مهمة تغيير العادات السيّئة ليست نزهة قصيرة ولا مجرّد قرار يُتّخذ، ولكنّ الإنسان قادر حين ينتبه إلى مدى السوء الذي هو فيه، وحين يرى الآفات التي تجلبها هذه العادات السيّئة عليه والسعادة التي تسلبها منه والكرامة التي تحرمه من تذوّقها.. قادرٌ حين يستقرّ في عقله وقلبه كل ذلك أن يعزم على التغيير ويمضي في طريقه.

كما أنّ تغيير الكثير من أنماط الحياة يساعد في التخلّص من العادات السيّئة، ولهذا كانوا يلجؤون إلى الخلوات للتفكّر والانفراد بالذات بعيدًا عن ضجيج الناس ورفثهم وكدرهم. كما أنّ تغيير البيئة التي يعيش فيها المرء والأوساط البشرية التي يخالطها ويصادقها سيكون عنصرًا معينا على التغيير للأفضل، ولهذا جاء في الأثر عن ابن أبي جحيفة: "جالِسوا الكبراء، وخالِطوا الحكماء، وسائلوا العلماء" (مصنّف ابن أبي شيبة). فانظر إلى حال من يفعل ذلك وقارنه بحال من يُخالط الجهلة والسفلة والمفتونين وأصحاب القلوب المريضة والعقول الفارغة التافهة؛ هل يستويان في القدرة على تغيير العادات السيّئة؟

إنّ تغيير العادات التي تبدو مستقرّة ليس مجرّد قرار نتّخذه في الذهن، بل هو انقلاب في أنماط الحياة، يحتاج قبل كل شيء إلى الثقة بما وهبه الله للإنسان من قدرة على الارتفاع، وإلى الاستعانة الدائمة بالله ودعائه ورجائه والاستغاثة به؛ فلن يُخيّب الله أوبة الصادقين حين يُقبلون عليه وقلوبهم مُجلَّلة برجفات الخشية وخفقات الضراعة.

مَن فيه طبعٌ سيّء يتغيّر، والتطبُّع يغلب الطبع، ومن شبّ على شيء قد يشيب على أحسن منه ويُختَم له بالحسنى.. ولكن ذلك يحدث حين ينتصف لقلبه وتَركبُه القناعةُ الجازمة بأنّه يغرق في مستنقع العادات السيّئة ويظلم نفسه، فيستمسك بحبال الغوث الإلهي، ويستضيء بنصائح المحبّين الصادقين ومواعظ العلماء النابهين المتّقين، فيصفو قلبُه من كدورات الهوى، وتتحرّر إرادتُه من أغلال العجز والإلْف والكسل، ويكون أكثر قدرة على التطبّع بالعادات الحسنة والصفات الطيّبة والخصال النبيلة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين