في باريس

أعلنت شركة أمريكية عن حاجتها لموظفين برواتب عالية جدا ، ووضعت شروطا لا بد من توفرها فيمن يتقدم للوظيفة ...

سمع عمرو بهذا العرض ، فتقدم بطلب تأشيرة ، وحجز بطاقة سفر الى أمريكا ..وكانت رحلة الطائرة ستتوقف ترانزيت في باريس لمدة أربع وعشرين ساعة ، ثم تتابع سفرها ...

قضى عمرو أيامه وهو يتأهب للسفر ، وصار يسأل عن باريس وأجوائها ، والمال الذي يحتاجه خلال الأربع وعشرين ساعة ، وكيفية تفاهمه مع شرطة المطار ، والطريقة المناسبة لقضاء هذا اليوم بمتعة وسعادة وفرح ..

لم يهتم بمسألة أمريكا ، ولا بشروط الوظيفة والمؤهلات الضرورية لها ، ولا بكيفية التواصل مع الناس هناك ، واللغة والسكن والحياة والأجواء ..

أخذ معه مالا يكفيه أثناء توقفه في باريس فقط ، بحيث اذا طار من باريس إلى أمريكا تكون كل فلوسه قد طارت وتبخرت ...

نصحه كثيرون بأن يعد لأمريكا عدتها : شهادة ، وخبرة ، ولغة ، ومالا ، وفهما ، وذكاء ، واستعدادا .....لكنه لم ينتصح ...

كان كل همه محصورا بباريس وبرجها وبناياتها الأثرية وشوارعها الفخمة ...

طار صاحبنا الى باريس وقضى يوما جميلا جدا ، أنفق فيه التالد والطريف ، وطار من باريس الى أمريكا ، وليس معه سبد ولا لبد ..

وصل إلى هناك فوجد نفسه غير مؤهل للوظيفة ، ولا تتوفر فيه الشروط ، فخرج هائما على وجهه ،

لا بيت يؤويه ، ولا مال يغنيه ، وصار يأكل من المزابل وينام تحت الجسور ...حتى قضى وانقضى ..

حكاية عمرو هذا هي حكاية كل مسلم يضع كل همّه في الدنيا ، ولا يأبه للآخرة ..

لا يفكر أكثر من إرواء شهوات النفس ، وأمانيها الدنيوية ....

لا تعنيه الآخرة ولا يخاف نارها ولا يعمل لجنّتها ....

لم يستيقظ قلبه وهو يسمع < الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت >..

الدنيا لكل حي هي بمثابة محطة ترانزيت ، كباريس ، سرعان ما يغادرها ...

والآخرة هي مكان الحياة الأبدية والسعادة السرمدية ..

من لم يعمل للآخرة لن يجد مزبلة يأكل منها ، ولا جسرا ينام تحته ...

نحن هنا ضيوف ومسافرون ، وفي نصيحة فخر التابعين الإمام سفيان الثوري < اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، واعمل للآخرة بقدر بقائك

فيها 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين