مختارات من تفسير

 

(وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ٦١)

السؤال الأول:

ما المقصود بـ (مصر) في الآية ؟

الجواب:

كلمة (مِصۡرٗا) منونة، يعني أي: مدينة من المدن، وليست مصر المعروفة؛ لأنّ هذه الثانية تكون ممنوعة من الصرف (وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشۡتَرَىٰهُ مِن مِّصۡرَ لِٱمۡرَأَتِهِۦ) [يوسف:21]، فإذا صرفت تكون أي مدينة، فقوله تعالى : (مِصۡرٗا) معناه أي بلدة؛ لأنّ ما طلبوه ليس هنا في الصحراء وإنما في أي مدينة. 

السؤال الثاني:

كلمة (ضرب) تكررت في القرآن كثيراً بمعانٍ مختلفة، فكم معنى لها في اللغة؟

الجواب:

الضرب كثير في اللغة، وهو في اللغة: إيقاع شيء على شيء، والضرب مختلف في اللغة، وهذا يسمى (مشترك لفظي) أي: كلمة تتعدد معانيها بتعدد سياقها .

ومن ذلك :

ـ الضرب باليد والعصا.

ـ ضرب الدراهم، أي سكّها .

ـ الضرب في الأرض، أي: سار أو تاجر (وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) [النساء:101] تجارة أو ابتغاء الرزق .

ـ ضرب على يد فلان: إذا حجر عليه (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] مثل الخيمة، وضرب على يده : إذا تبايعا وتعاقدا على البيع. 

ـ المنع من السمع (فَضَرَبۡنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمۡ فِي ٱلۡكَهۡفِ سِنِينَ عَدَدٗا) [الكهف:11] .

ـ ضرب المثل: يعني بيّنه (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥ) [يس:78]. 

ـ بمعنى الإهمال (أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ) [الزُّخرُف:5] يعني : نهملكم . 

ـ ضرب الوتد : يعني دقّه .

ـ ضرب ابنه : يعني ربّاه.

السؤال الثالث:

قوله تعالى (وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ) [البقرة:61] لِمَ لمْ يقل ربنا سبحانه وتعالى مثلاً : (أصابتهم الذلة والمسكنة) ؟ أليست هذه الصيغة تؤدي معنى ( ضربت عليهم الذلة والمسكنة)؟

الجواب:

تخيل قوماً أقاموا في مكان ما فضربت عليهم قُبّة، كيف تشاهد هذه الصورة؟ إنك تتخيل أفراداً ماكثين تحت قُبّة بحيث تحوطهم من كل جانب وتظلّهم, وكذلك هذه الآية فقد شبّه الله تعالى الذلة والمسكنة بالقبة التي أحاطت أهلها فلازموها ولم يغادروها، فكانت الذلة والمسكنة بيتهم الذي لايغادرونه ولا يحولون عنه، والمسكنة هي الفقر، وأُخِذ هذا المعنى من السكون؛ لأنّ الفقر يقلل حركة صاحبه ويجعله يؤثِر السكون.

السؤال الرابع:

ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] في سورة البقرة وقوله سبحانه: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران: 112] في سورة آل عمران؟ ما دلالة الاختلاف بين : (النبيين والأنبياء) وبين: (بغير حق وبغير الحق) ؟

الجواب:

قال تعالى في سورة البقرة : (وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [البقرة:61].

وقال سبحانه في سورة آل عمران: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَيَقۡتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡقِسۡطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران:21] و (ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ يَكۡفُرُونَ بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ) [آل عمران:112] .

 أولا ً : (النبيين ـ أنبياء) :

1ـ جمع المذكر السالم بشكل عام يفيد القلة، نحو : نبيون . 

2ـ جمع التكسير يفيد الكثرة، نحو : أنبياء .

لذلك من حيث اللغة (الأنبياء) أكثر من (النبيين) من حيث العدد؛ لأنّ (الأنبياء) جمع تكسير وهو من جموع الكثرة، و(النبيين) جمع مذكر سالم وهو من جموع القلة.

ثانياً : بغير حق ، بغير الحق .

1ـ كلمة (الحق) معرّفة: تعني الحق الذي يدعو للقتل، وهو معلوم (النفس بالنفس) فهناك أمور يستحق بها القتل. 

2ـ أمّا (بغير حق) نكرة، فهي تعني لا حق يدعو إلى القتل ولا إلى غيره، فإذا أراد تعالى أنْ يبيّن لنا العدوان يذكر (بغير حق).

3ـ عندما يقول القرآن: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] هذا أعظم وأكبر جرماً من : (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ حَقّٖ) [آل عمران:21] ؛ لأنّ الأنبياء أعم وأشمل , وكلمة (حَقّٖ) من دون أي داعٍ؛ فهذا أكبر جرماً .

بينما (وَيَقۡتُلُونَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ) [البقرة:61] النبيون أقل، و(الحق): الحق الذي يدعو إلى القتل . 

ثالثاً ـ السياق :

نلاحظ في مقام الذم والكلام عن بني إسرائيل أنّ القرآن يقول: (وَيَقۡتُلُونَ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖۚ) [آل عمران:112] ؛لأنها أكثر وأعظم جُرماً من : (يقتلون النبيين بغير الحق)

وفي القرآن الكريم عندما يذكر معاصي بني إسرائيل يذكر (الأنبياء) لكثرة معاصيهم.

السؤال الخامس:

ما دلالة رسم كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في القرآن الكريم ؟ 

الجواب:

وردت كلمة (وَبَآءُو) بدون ألف في آخرها ثلاث مرات في كل القرآن الكريم في الآيات :

[ البقرة 61 ـ90 آل عمران 112 ] وكلها بدون ألف في آخرها , ويوحي هذا النقص في حذف الألف بسرعة اكتسابهم غضب الله , وهم اليهود الذين عصوا الله سبحانه فاستحقوا سرعة غضبه . والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين