حل المشكلات الأسرية وعلاجها(15) مصافحة النساء للرجال الأجانب

وردني سؤال من شاب مسلم يقول فيه: إنني أزور أرحامي من النساء والرجال ، كالأعمام والعمات والأخوال والخالات، في بيوتهم، وفي بعض الأحيان يلتقيني بناتهم فيرحبن بي ويمددن إلي أكفهن لمصافحتي، فأمد يدي لمصافحتهن أحيانا ردا على تحيتهن التي أمر الله تعالى بردها في قوله سبحانه:« وإذا حييتم بتحية فردوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا » 86/ النساء، ولكن أحد العلماء قال لي: إن مصافحة النساء غير المحرمات حرام، ولا يجوز لمسلم أن يفعلها، وقال لي إن القرآن نهى عنها، وكذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وكل الفقهاء نصوا على تحريمها من غير خلاف، وبعض الناس قال لي إنها مباحة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء غير المحارم عندما كان يبايعهن، فحرت في أمري وعزمت على أن أترك مصافحة النساء غير المحارم احتياطا، إلا أنني أُحرج في بعض الأحيان عندما تمد لي ابنة عمي أو ابنة خالي يدها للمصافحة، فإن صافحتها مترخصا على وفق ما قاله لي بعض الناس أحسست بالإثم لما قاله لي أحد العلماء من التحريم، وإن اعتذرت لها أخذا بما قاله لي أحد العلماء غضبَتْ واتهمتني بالتخلف والرجعية، وربما كان لذلك الموقف المحرج آثارا سيئة على العلاقة بين أسرتينا، فما هو الجواب الفصل في هذا الموضوع ؟ وما هو التصرف الأفضل عند مثل هذا اللقاء مع بنت العم أو بنت الخال يا فضيلة الشيخ ؟

أيها الإخوة والأخوات، إن هذا الموقف وأمثاله مما يصادفه شبابنا في حياتهم هو من مفرزات الحضارة الحديثة المتأثرة بالحضارة والعادات الأجنبية الدخيلة علينا، والوافدة إلى بلادنا بدون انتقاء، أنا لست مع الذين يودون منع كل وافد، ويغلقون الباب في وجه كل جديد، فإن الحكمة ضالَّة المؤمن أينما وجدها التقطها، ولكنني مع الانتقاء من كل وافد علينا، ننظر فيه ونعرضه على تشريعنا وعاداتنا وتراثنا، فإن ناسبه قبلناه، وإن جافاه رفضناه إذا لم يمكن تطويره، فإذا أمكن تطويره وتغييره مما يجعله ملائما لنا أدخلنا عليه من التطوير ما يجعله ملائما ثم أخذناه بعد ذلك، ولا نأخذه قبل التطوير، فقد صام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم عاشوراء وقال: هذا يوم نجَّا الله تعالى فيه أخي موسى، فقال له بعض الصحابة: يا رسول الله هذا يوم يصادف صوم اليهود، فقال: أنا أحق بموسى منهم، لئن أحياني الله تعالى إلى قابل لأغيِّرنه، فأصوم معه يوما قبله أو يوما بعده،

أيها الإخوة والأخوات: الحجاب للمرأة فرض وواجب، والحجاب معناه حجب المرأة عن ملاقاة الرجال الأجانب عنها (غير المحارم) من الأقارب وغيرهم، إلا لضرورة أو حاجة ماسة، فإذا مست الحاجة إلى لقائهم وجب أن يكون اللقاء مع الحجاب الإسلامي الكامل، وبحضور بعض المحارم، وإلا كان اللقاء حراما، ما لم تمس الحاجة إلى كشف العورة كالتطبب،

وقد منع الشارع الإسلامي اختلاط الرجال بالنساء الأجانب عنهم إلا لضرورة أو حاجة ماسة أيضا، كما منع الشارع الحكيم المرأة من السفر إلا أن يكون معها رجل محرم أو زوج، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( لا تسافر المرأة إلا معها محرم.. ......) رواه البخاري.

وقد قرر فقهاؤنا حرمة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية عنه خوف الفتنة، قال سبحانه وتعالى: « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم » 30 / النور، فإذا كان النظر حراما للنهي عنه كانت الملامسة أشد تحريما، لأنها أبلغ منه في خشية الفتنة، والمصافحة ملامسة وزيادة ، لما فيها من التبسط وإظهار المودة، وفي ذلك من الخطورة والفتنة ما فيه.

وأما قول بعض الناس: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصافح النساء عندما كان يبايعهن فباطل لا أساس له، لأن البيعة عهد، والعهد يكون باللفظ لا بالمصافحة، وقد ثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بايع النساء مرة، وكان بعيدا عنهن، وكان عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه يبلغ صوت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للنساء، ويبلغ صوت النساء للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم. 

إلا أن بعض الفقهاء استثنوا من هذا الحكم مصافحة الرجل للمرأة العجوز التي لا يرغب في مثلها أحد للزواج، لشيخوختها، فأجازوا مصافحتها وتقبيل يدها، برَّا بها وإكراما لها، قياسا على جواز النظر إلى وجهها وكفيها، الثابت بقوله تعالى: « والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم » 60/ النور. 

أيها الإخوة والأخوات: علينا أن نعيد النظر في الكثير من عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا، ونعرضها من جديد على تشريعنا وديننا، وننقيها من كل شائبة طرأت عليها وشوهتها، وإذا ما حصل ذلك سهل علينا التعامل مع بعضنا على أسس إسلامية حكيمة.

وأنا هنا أقول للشاب السائل: أيها الأخ الكريم، لاتزُر أحدا من أعمامك أو أخوالك أو غيرهم من الناس إذا كان لهم بنات بالغات من غير المحارم عليك، إلا بعد أن تطمئن إلى وجود من ترغب بزيارته من الرجال في البيت، فإذا فتح لك أو استقبلك إحدى بناته فغض بصرك عنها، امتثالا لأمر القرآن الكريم بذلك كما تقدم، ولا تصافحها، فإن وجدت في ذلك حرجا فبين لها أن ذلك كان منك امتثالا لأمر الله تعالى، وفيه تكريم المرأة وإبعادها عن مواطن الابتذال، وعن الالتقاء بالأيدي الملوثة الآثمة التي قد تمتد إليهن باسم السلام أو التحية، ثم تنال من عفتها وكرامتها، وتكون طريقا ممهدة إلى غوايتها من حيث لا تدري، وقل لها: لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتوقي من الهبوط في ذلك المنزلق الخطير، وأنه تعالى أحنى علينا من أنفسنا، وأعرف بأحوالنا منا، وأرحم بنا من أي أحد، ولمَ لا ؟ فهو أرحم الراحمين، ألا تجد أخي السائل أن الحكومات تُهرع إلى تلقيح المواطنين ضد الأمراض كلما وفدت وافدة من المرض، لوقاية الأصحاء منه، فكذلك الابتعاد عن النظر إلى الأجنبيات وعدم مصافحتهن، فإنه وقاية من التعلق بهن، والتورط في إنشاء علاقات سيئة معهن، قال الشاعر: { فنظرة فابتسامة، فسلام فكلام، فموعد فلقاء }، وقال الحكماء: { درهم وقاية خير من قنطار علاج }، 

ثم هل وصل حالنا اليوم إلى ما وصل إليه من التفكك والفتن إلا بسبب عدم التوقي والتساهل في التعامل مع غيرنا!

أرجو أن يكون في ذلك بلاغ للناس، والله تعالى من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، 

والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين