حل المشكلات الأسرية وعلاجها(13)الحجاب الإسلامي

جاءني سؤال من شاب مؤمن يقول فيه: قرأت في أحد الكتب المعاصرة كلاما لم أتأكد من صحته، مع إقراري بأنه غريب عليَّ وعلى ما ألفته وسمعته من علماء المسلمين، وقد قفز إلى ذهني أنه خطأ، ولمَّا كنت قد ألفت من العلماء الذين أعرفهم وآخذ عنهم أن على الإنسان في مثل هذه الحال أن لا يتسرع في الحكم على الشيء إذا لم يكن من المتخصصين فيه قبل أن يسأل عنه أهل العلم والاختصاص، ائتمارا بقوله تعالى: « فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون » 43 / النحل، وقوله تعالى: « يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين » 6 / الحجرات، فقد توقفت عن الحكم ورجعت إليك: 

وهذا الكلام مضمونه أن الحجاب الإسلامي للمرأة المسلمة زيٌّ عربي جاء الإسلام وسكت عنه، فلم يقره ولم يمنعه، شأنه شأن كثير من أنواع الطعام واللباس وغيرها، وعلى ذلك فإذا تغيَّر عرف الناس وجدّت لهم أزياء أخرى، كالسفور والتبرج - كما هو الحال اليوم - لم يكن عليهم من بأس أن يتَّبعوا هذه الأزياء ويعزفوا عن الحجاب، 

فأرجو أيها الشيخ الكريم أن توضح لي صحة هذا الكلام من بطلانه، وأن تبين لي حكم الحجاب الإسلامي وحدوده، وصفات الحجاب الإسلامي الصحيح،

أيها الإخوة والأخوات: أقول لهذا السائل الكريم بارك الله تعالى فيك، لأنك قرأت، والقراءة مفتاح المعرفة، ولأنك فهمت ما قرأت، وهذا باب الثقافة والعلم، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم بالقراءة بقوله جل من قائل:« اقرأ » 1/ العلق، لأن القراءة بلا فهم إضاعة للوقت وعبث من العبث، ثم شكرا لك لأنك أدركت بحسِّك الواعي شذوذ وتطرف وبطلان ما رمى إليه الكاتب، وأخيرا شكرا لك لأنك عدت إليّ عندما اشتبه الأمر عليك ولم تقطع في أمر أنت فيه مشتبه غير متثبت، 

وإنني أطمئنك أخي السائل إلى سلامة اشتباهك، وسلامة إحساسك، وصحة ما سمعته من شيوخك، فالحجاب شريعة إسلامية لا تقليد عربي قديم، وإن الإسلام لم يهمل النص عليه والأمر به بصريح القول، خلافا لما يدعيه الكاتب - سامحه الله تعالى وأصلحه - جهلا بالدين وتقليدا لأعدائه المغرضين، الذين يودون الدس فيه وتشويه أحكامه، وهذه الحملة ليست جديدة، ولكنها قديمة نسبيا، فقد بدأت مع تطلعات الاستعمار للاستيلاء على بلاد المسلمين، وبخاصة بعد عجزه عن الاستيلاء عليهم بقوة الحرب والسلاح، وبدأ الدس في أحكام التشريع الإسلامي ومحاولة تشويهها وصرف المسلمين عنها، وأول ذلك الحجاب، لإخراج المرأة المسلمة من حجابها الذي فيه عفتها وعزتها وكرامتها، والزج بها في مصطرع الشهوات والنزوات، لإذابتها والقضاء على قوتها، ولتوهين قوى الرجال أيضا بذلك، والتحول بهم من قلب المعركة جنودا شديدي المراس إلى مخنثين مغرقين في الشهوات، ومشتغلين بتلبية النزوات التي أجَّجها السفور، وأشعل نارها التبرج والتهتك، فيسهل التغلب عليهم وإدراجهم في قائمة الأتباع،

أخي السائل الكريم: الحجاب الإسلامي شُرِع في الإسلام بعد أن لم يكن موجودا بشكل كامل في الحياة العربية الجاهلية، وإن كانت المرأة العربية في الجاهلية محتشمة بعض الشيء، وقد جاء التشريع الإسلامي بالحجاب متدرجا، فأول ما أمر الله تعالى به المرأة هو غض البصر والاحتشام الكامل وستر الزينة، كما أمر الرجال أيضا بذلك، فقال تعالى: « قل للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن.. .. » 30 - 31 / النور، إلى آخر الآية الكريمة التي عدد الله تعالى فيها المحارم،

ثم أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالحجاب الكامل، فقال سبحانه: « وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن » 52/ الأحزاب، ثم أمر الله تعالى نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأن ليخرجن من بيوتهن أصلا إلا لحاجة ماسة، فإذا خرجن لها خرجن متحجبات حجابا كاملا يستر البدن كله، قال سبحانه: «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله» 33 / الأحزاب، وفي ذلك إشارة أيضا إلى أن الحجاب لم يكن موجودا في الحياة الجاهلية، فَعَلِم من ذلك نساء المؤمنين جميعا أن أمر الله تعالى لنساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالحجاب هو أمر لهن به من باب أولى، لأمرين اثنين:

الأمر الأول: أن نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم محرَّمات على جميع رجال المؤمنين بعده صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنهن أمهات المؤمنين، ومع ذلك أمرهن بالحجاب، فلأن يكون الأمر بالحجاب لسائر نساء المؤمنين وهن غير محرمات على سائر المؤمنين أولى،

الأمر الثاني: أن نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أكرم النساء وأفضلهن خُلُقا ودينا، وأنهن لا يساوى غيرُهن بهن من نساء المؤمنين أيا كن، فإن كان الحجاب فرضا عليهن مع هذه المكارم فهو فرض على غيرهن ممن هنَّ دونهنَّ في الفضل والشِّيَم من باب أولى، 

هذا ما فهمه نساء المؤمنين فالتزمن بالحجاب من يومها مع نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وابتعدن عن مجالس الرجال وعن الاختلاط بهم، 

وزيادة في تأكيد هذا المعنى وإزالة لأي شبهة يمكن أن يتعلق بها جاهل، فقد جاء القرآن الكريم أخيرا بنص واضح وجلي وليس فيه لبس، فقال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما» 59 / الأحزاب، فكان قوله القاطع لكل شبهة في أن الحجاب فرضٌ على كل المسلمات،

والحجاب أيها الإخوة والأخوات معناه ستر العورة، وعورة المرأة الحُرَّة لدى جماهير الفقهاء هي كل بدنها سوى الوجه والكفين، وعلى ذلك فالواجب ستر جميع بدن المرأة سوى الوجه والكفين، أما الوجه والكفان فسترهما واجب إن خشيت فتنة، سدا لذريعة هذه الفتنة، فإن لم تخش فتنة جاز كشفهما، إلا أن الفتنة في وجه المرأة الشابة وكفيها غالبة، فكان سترهما واجبا لذلك، فإذا أمنت الفتنة في حق المرأة، كأن كانت عجوزا أو شوهاء، أو كانت في مجتمع مغلق فاضل، جاز كشف الوجه والكفين لها، لقوله تعالى: «والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم»60 / النور،

والحجاب الإسلامي ليس له أوصاف وأشكال محددة، ولا نوع من القماش، أو لون لا يجوز تغييره، أو زيٌّ معين، ولكن له شروط عامة لا يجوز أن يخرج عنها، وهي:

1 - أن يكون ساترا للعورة كلها،

2 - أن يكون صفيقا، أي سميكا لا يشف عما تحته من لون العورة،

3 - أن يكون عريضا فضفاضا ليس ضيقا يصف ما تحته من حجم العورة، 

4 - أن لا يكون مزخرفا ومزركشا أو ذا ألوان زاهية ملفتة للنظر، لأن الحجاب وضع لصرف الأنظار عن المرأة وليس لجلب الأنظار إليها،

5 - أن لا يكون فيه تشبه بلباس غير المسلمين، للنهي عنه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قال: (من تشبَّه بقوم فهو منهم) رواه أبو داود وأحمد،

6 - أن لا يكون فيه تشبه بلباس الرجال، وهو أمر يرجع للعرف والعادة، وذلك لقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: (لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) رواه أبو داود وأحمد، ومثله عند البخاري،

7 - أن لا يكون فيه سرف أو خيلاء، وذلك أمر يرجع للعرف والعادة أيضا، وذلك لقوله تعالى: « ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا » 37 / السراء، 

وفي الختام، فإنني أرجو أن يكون في هذا البيان رد كاف على كل شبهة في مشروعية الحجاب الإسلامي، وتقرير أنه نظام إسلامي أصيل، وأنه فرض عين على كل مسلمة بالشروط والحدود السابقة، وأن كل ما يخالف ذلك من أقوال القائلين وكتابات الكتاب انحراف وشذوذ، وخروج على الحكم الشرعي، ومخالفة للحقيقة الإسلامية ، والله تعالى من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، 

والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين