تجارب عملية في تربية الأطفال وتوجيه الشباب (1)

 

-1-

سألني صحفيٌّ قبلَ أيام: (هل تعاني مشاكلَ من تصرفاتِ أولادك؟) فأجبتُه: (مشاكل! ولماذا أعاني المشاكل منهم؟).

واستغرب الصحفي من جوابي، وسرد عليَّ ما يُعانيه الأبوان من تصرُّفات أولادهم، وقصَّ عليَّ أمثلة من تمرُّد النشء الجديد على أبويهم، ثم ذكر أنَّ السيطرة على المراهقين والمراهقات بخاصَّة والشباب والشابات بعامَّة صعبة جداً، وأنَّ الوالدين فقدا السيطرةَ على ذرِّيَّتِهما من الجيل الجديد!.

ولم أكن بحاجةٍ إلى سَرْد الأمثلة وقصِّ القَصص وضربِ الأمثال، لأنَّني أعرف ما يعرف وأسمع ما يَسمع وأرى ما يرى، ولكنني اختلفتُ معه في شيء واحدٍ، فقد صبَّ اللومَ كلَّه على الأولاد، وزعَم أنَّ الأبوين لا يستطيعان أن يفعلا شيئاً لاستعادة سيطرتهما على أولادهما، أما أنا فصببتُ اللومَ كلَّه على الأبوين، وذكرتُ له كيف يستطيع الأبوان فرض سيطرتهما على أولادهما بسهولة ويسر، ولمصلحةِ الأولادِ بالدرجةِ الأولى، ومصلحةِ الأسرةِ بالدرجة الثانية.

ولم أصبَّ اللومَ كلَّه على الأبوين عَبَثاً، فقد درستُ حالاتٍ كثيرةً عن علاقة الأولاد بالأبوين، فوجدتُ أنَّ الوالدينِ يجنيان غرس أيديهما، فلو أحسنا لأحسن أولادهما، ولكنهما أساءا التربيةَ أو قصَّرا فيها أو أهملاها اعتماداً على غيرهما من الناس أو المدارسِ، فكانت النتيجة وبالاً عليهما وعلى أولادهما على حدٍّ سواء.

وسأتحدَّث في هذا المقال عن تجاربي العمليَّة في تربية الأطفال وتوجيه الشباب، مُستمداً هذه التجاربَ من تربيتي الأولى حين كنت طفلاً ثم ترعرعتُ فأصبحت شاباً، ومن أسلوب تربية أولادي ضمن نطاق أسرتي، ومن توجيه الشباب في الجيش حين كنتُ أعمل فيه.

تلك ثلاثة مصادر لتجاربي العملية في التربية: 

الأولى مُتعلماً من الذين سهروا الليالي الطوال على تربيتي في البيتِ والمدرسةِ والكليَّةِ، والتي كان من ثمراتِها أن أصبح كما يعرف الناس مُتمسِّكاً بديني مُدافعاً عن عقيدتي، محباً للعلم، مُقدِّراً للعلماء، مُطيعاً لوالديَّ إلى أبعد الحدود.

والثانية مُعلماً أيضاً في الجيش؛ لأنَّ من جملةِ واجبات الضبَّاط إلقاء المحاضرات الثقافيَّة والتهذيبيَّة والعسكريَّة، وتربية الجنود وضباط الصف تربية سليمة ليكونوا عناصرَ مُفيدة في الجيش وفي الحياة المدنيَّة على حدٍّ سواء.

وكم أتمنَّى أن يقرأ هذا المقال كل عربي من المحيط إلى الخليج، وكل مسلم من المحيط إلى المحيط، ويتدبَّر معانيه، ليعمل به مستفيداً من تجاربي العمليَّة وخبرتي الطويلة، إذا اقتنع بها اقتناعاً كاملاً، فإذا لم يقتنع فيسرني أن يبدي رأيه لأستفيد ويستفيد غيري من تجاربه. 

المهم أن نجدَ الطريقَ السويَّ فنسلكه جميعاً، لننقذَ أطفالنا وشبابنا من الضيَاع، إذ لستُ مُتفائلاً ولا أظنُّ غيري من الذين يحْرِصون على حاضرِ الشعب العربي والأمَّة الإسلاميَّة ومُستقبلها متفائلاً، وهو يرى أبناءنا وبناتنا يبتعدون بسرعة مذهلة عن تعاليم الدين الحنيف والمُثل العليا، وينحدرون بسرعة خاطفة إلى مَهَاوي الانحلالِ والتفسُّخ، حتى أصبح التماسكُ العائلي مُهدَّداً بالزوال، وأصبح الرِّبَاط بينَ أفرادِ العائلةِ رباطاً مَصْلحياً والمفروض أن يكون رباط مودة ورحمة ورحم.

ومن الصدف أن أشاهد ندوةً في الإذاعة المرئيَّة، طالبَ فيها قسم من النساء بحقوقهنَّ، وزعمن أنهنَّ مظلوماتٌ بالنسبة للرجال، وأنهنَّ يردْنَ المساواةَ الكاملة بالرجل، وكنت قبلَ أن أشاهد هذه الندوة أعتقدُ أنَّ المساواة التي تطالَب بها النساء تَقْتصر على حقوق التعلُّم وتسنُّم المناصب الحكوميَّة وممارسة الأعمال الحرَّة والمهن التي يُمارسها الرجال، ولكنني بعد مُشاهدة هذه الندوة فهمت معنى المساواة، فقد قالت إحدى المشاركاتُ في الندوة: (لماذا يُسمح لأخي بالخروج من الدار في أي وقت ولأية جهة دون رقيب أو حسيب ولا يُسمح لي؟) ثم قالت: (لماذا لا يحاسب أخي حين يمكث حتى الهزيع الأخير من الليل خارج الدار وأحاسب أنا؟، ما هو الفرق بيني وبين أخي حتى أحاسب ولا يحاسب؟!).

حينذاك فقط فهمت معنى المساواة على حقيقتها، وفهمت معنى شعار: حريَّة المرأة، التي دأبنَ ودأبَ قسمٌ من أشباه الرجال على ترديده بمناسبة وبدون مناسبة.

وهكذا تكون المساواة، وهكذا تكون الحريَّة، وإلا فلا!

إنَّ محاسبةَ الأبوينِ للأولاد على تصرُّفاتِهم الخاطئة ضروري للغايَّة، والأبوان اللذان لا يحاسبان الذكورَ على تصرفاتِهم الشاذَّة، يُفسحان المجال للإناث بالمطالبة بمثل هذه المساواة وهذه الحريَّة.

وليس من مصلحة الذكور والإناث السهرُ خارجَ الدار إلى وقت متأخر من الليل في أماكنَ مشبوهةٍ أو مع رفاقِ السوء، فلابدَّ من وضع الأمور في نصابها، وإلا فالأبوان مُقصِّران في صميمِ واجباتِهما الأبويَّة.

[للمقالة تتمة في الجزء التالي]..

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي السنة السابعة، جمادی الأولی 1391 - العدد 77 ‏

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين