دور الشباب في الإصلاح والتغيير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

إن أمة من الأمم في التاريخ القديم أو الحديث لم تصل إلى القمة إلا بعد أن تقدم الثمن، وغالباً ما يكون الثمن من جهود ومعاناة وتضحيات شبابها وطلابها.

نعم، لكم قاد الأمة شبابها، ولكم تقدمت أمم وقامت حضارات على كواهل الشباب؟ وهل كان أصحاب محمد إلا شباباً؟

هذا مصعب بن عمير، أول سفير في الإسلام يفتح الله على يديه قلوب الأوس والخزرج فيدخلون في الإسلام جميعهم ويكونون اللبنة الأولى والصخرة الصلبة التي قامت عليها دولة الإسلام وحضارة الإسلام.

وهذا أسامة بن زيد يؤمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش المسلمين الذي توجه لقتال الروم في بلاد الشام ولم يتجاوز عمره ثمانية عشر عاماً، وكانت الروم يومها أكبر إمبراطورية في التاريخ.

وهذا محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية - عاصمة الدولة البيزنطية - وكان عمره ثلاثة وعشرين عاماً.

ويطول بنا الحديث لو تتبعنا القادة الشباب - وقد نفعل مستقبلاً -، والمهم أن يعلم شبابنا وطلابنا أنهم رواد أمتهم وطليعة قومهم، والعين الباصرة في شتى ميادين الحياة وبين سائر طبقات الناس والمجتمع.

على الشباب - بعد الله تعالى - تعلق الآمال، ومن داخل أسوار المدارس والجامعات تنطلق صيحات الإصلاح والتغيير، الصيحات المخلصة التي تنبه الأمة للأخطار التي تهددها، وللتيارات والتحديات التي تستهدف أصالتها وهويتها، وخيراتها وحضارتها وثقافتها بل ووجودها أيضاً.

إن لم يكن شبابنا المثقف هو الذي يكشف أدوار العولمة وأخطارها لأمته لتكون على بصيرة من أمرها فمن غيره يكون؟

وإن لم يكن طلابنا هم الذين يعيدون للأمة ثقتها بنفسها وبمستقبلها من خلال طموحهم وتفوقهم وإبداعهم وابتكاراتهم وتضحياتهم فمن غيرهم يكون؟

أيها الشباب، أيها الطلاب في سوريا الشام خاصة، وفي عالمنا العربي والإسلامي عامة، اعرفوا أنفسكم جيداً، وقدروا الآمال المعلقة عليكم تقديراً صحيحاً، فإن الأمة عطشى وبيدكم ري ظمئها.

وفي الأمة طاقات كامنة ومن خلال وعيكم وصدق مبادرتكم يمكن تفجير تلك الطاقات وتوظيفها لتأخذ دورها في البناء والتنمية والإعمار والإصلاح والتغيير.

إن أمتنا زهدت وسئمت من الشعارات الرنانة، والزعامات المصنعة التي لم تفلح في شيء غير جر النكبات والدمار والمصائب على أمتهم وشعوبهم.

إن هذه الأمة تتطلع وبأمل كبير إلى الجيل الجديد، جيل الصحوة التي تلت النكسة والنكبة، الجيل الذي فتح عينيه على الآلام والحرمان، فنشأ وترعرع وهو ينتظر الفرصة ليحقق الآمال العظام التي تتدفق بين جوانحه وفي خلجات قلبه وضميره الحي المتوثب الواعد.

عفواً أيها الأحبة شباباً وطلاباً، فلست أريد تصفيف الكلام، ولا العزف على ألحان العواطف والمشاعر، ولكنها الكلمات العفوية الصادقة التي تثير حماسكم فتساهم في تذكيركم بواجباتكم تجاه أمتنا العظيمة وأجيالنا الحائرة ومستقبلنا الذي نأمل أن يكون حافلاً وواعداً إن شاء الله.

وأخيراً...

إن أمتنا أيها الشباب غنية وعزيزة، وتملك الكثير الكثير من عوامل النهضة والإقلاع الحضاري - وهي التي بنت الحضارات وصدرتها للآخرين، وأغلى ما تملكه الأمة من رصيد هو أنتم، نعم أنتم، فهل عرفتم مكانكم ودوركم والاستحقاقات المطلوبة منكم؟

فكونوا لها أيها الشباب، ولنبدأ الطريق بنية صادقة وإرادة حرة ونفسية أبية وعزيمة راشدة قوية، والمستقبل للإسلام وللأمة الإسلامية بإذن الله، وحتمية الميلاد لا تغني عن آلام المخاض.

وإلى لقاء قريب في ميادين العمل والبناء إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين