ثنائي رمضان وكورونا

 

داهم فيروس كورونا العالم، وأشاع جوًّا من الهلع في مختلف الأوساط الطبية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وغيرها، ولكن لم تمر شهور قليلة حتى وصل العالم الإسلامي إلى واحة رمضان الوارفة..

وهنا أحببت أن أقف معكم أحبتي للتأمل في بعض المزايا الناتجة عن تزامن شهر رمضان المبارك وفيروس كورونا عافانا الله منه:

1. توفير وقت العزومات التي كانت تشغل نصف وقت رمضان، وتطول جلساتها حتى تشغل كثيرا من المسلمين عن المسابقة في الخيرات واغتام الأوقات في هذا الشهر الفضيل.

2. توفير وقت الطبخ للعوائل الكبيرة التي تقضي فيها المرأة نصف ساعات النهار والليل في المطبخ، في النهار طبخ، وفي الليل تنظيف وغسيل وإعداد للموائد المتعددة عند المغرب وبعد التراويح وعند منتصف الليل والسحور قبيل الفجر.

3. توفير وقت التنقلات التي كانت تضيع في السيارة وغيرها من وسائل النقل، حيث إن كثيرا من الأعمال صارت تتم من البيت دون انخراط في الزحام والطرقات والشوارع المكتظة بالمتنقلين.

4. الصلاة – غالبا – مع الأسرة الصغيرة في البيت، عكس الرمضانات السابقة حيث كان الأب يصلي في مسجد، والأولاد يذهبون لمسجد الحي، فجاء كورونا وأغلق أبواب المساجد وجعل جميع أفراد الأسرة يصلون معاً.

5. تدريب الصغار على الإمامة، فقد يكون الأب إماما حيناً، وقد يُقدّم صغارَه للإمامة والتدريب خصوصا في التراويح والنافلة.

6. تلاحُم الأب والأم – الموجود منهما – مع الأولاد والبنات، بحيث صاروا يسمعونهم أكثر حتى أنهم قد يسمعون همومهم ودعاءهم في صلاتهم وسجودهم.

7. إعادة ترتيب الأولويات لصالح الأسرة بشكلٍ كنا نغفل عنه سنين طويلة مرت من أعمارنا، كنا فيها نقدم الخارج على داخل البيت، فأجبرنا كورونا على الالتفات للداخل أكثر، وإعادة ترتيب الأولويات الزمانية والفكرية داخل البيت الصغير السعيد.

8. إعادة إدارة الوقت، حيث برزت مهام جديدة كنا نغفلها أو لا نعطيها وقتا في السابق، مثل استحداث أوقات للعب مع أفراد الأسرة وصغارها، وأوقات للتواصل الاجتماعي الهادف، وأوقات للاتصال المرئي مع أفراد الأسرة الكبيرة خارج البيت، وأوقات لتلاوة القرآن أكثر من السابق، وأوقات لتدارس العلم مع الأسرة الصغيرة.

9. اكتشاف بعض المهارات وتعلم بعض المهن، مثل حلاقة الأب لشعر الأولاد بدلا من الحلاقين، وتعلم بعض مهارات الطبخ لمن لم يكن يعرفها، وتعلُّم تنفيذ بعض الخدمات التي تقدمها الصالونات وغيرها.

10. كثرة الاستغفار وطلب العفو والعافية من الله تعالى في ليالي رمضان الفاضلة، وهذا من أسباب رفع البلاء حيث يقول ربنا جل وعلا: "وما كان الله معذِّبَهم وهم يستغفرون".

11. سماع أصوات القرآن منطلقاً من بعض الشقق في البنايات السكنية، وكأن قناديل النور التي كانت تتجمع في المساجد توزّعت وانتشرت في البيوت وبين الناس تنير بيوتهم وزوايا مساكنهم وقلوبهم.

وفي الختام فإن لكل محنة منح كثيرة حين نقابلها بالرضا والتسليم بقضاء الله تعالى، فتحمل النقمة في رَحِمِها نعماً متتالية، نستمطرها بالتقرب إلى الله وكرمه..

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين