حي (قاضي عسكر) في حلب، والثورة الحلبية على الاحتلال الفرنسي(1)

بمناسبة يوم جلاء المحتل الفرنسي، عن أرض سورية الأبية، بتاريخ(17) نيسان، أود أن أشارك عبر موقعكم الكريم، بحكاية تاريخ حي من أحيائها العريقة، منه انطلقت الثورة الحلبية السورية، وتشكلت طلائعها، وبثت في أرجاء أحيائها

الأخرى روح الثورة على المحتل الظالم.

*هو حي من أحياء حلب العريقة الثائرة ، خارج السور، ذات التاريخ المجيد ، عليه بصمات الحكم العثماني، من مساجد وأزقة وساحات.

هنا مسقط رأسي، هنا طفولتي، هنا صباي، هنا قضيت ميعة الشباب.

*ما أجمله من حي! وما أروع أهله! وما أعظم ساحته!

في كل بيت، وزاوية، وزقاق، تاريخ مجيد ، حافل بالذكريات، محفورة في الذاكرة لا تنسى...

على جدرانه، رسمت خارطة مقارعة الفرنسيين، وجلاؤهم.

*يحيط به جوامع عدة، منا كانت تنطلق جحافل الثوار، كجامع (قاضي عسكر) وجامع (هارون داده)وغيرهما...

وتتوسطه ساحة كبيرة، تتربع في صدرها مقهى قديمة ، تشرف عليها من جميع الأركان، لا يختلف إليها إلا علية القوم، يتشاورون في قضايا الحي، وإدارة شؤون أهله، فيها تقام المهرجانات الوطنية، والاحتفالات الدينية، وتردها زعماء الوطن، ووفودهم الأجنبية، لتستقبلهم الوجهاء، وترحب بهم فرق الرقص الشعبية.

ومناسبة الجلاء المجيدة هذه، قدثورت مشاعرنا، وأعادت لي ذكريات الطفولة، وريعان الشباب ، وصور أهالي هذا الحي الطيبين.

كيف كنا نعيش؟

ومع من نعيش؟

* وأجملها: بيئة طفولتنا، وحدودها بين جامعيها اللذين ذكرتهما -آنفا- تتوسطهما تلك الساحة الحاضنة، كما الأم مع أولادها.

ولا ننسى- أبدا- قبة حارس الحي، المثبتة بزاوية مدروسة، وكأنها برج مراقبة، يقيم فيها حارس أمين، نوقره ونحسب حسابه، ولا يسمح لغريب أن يدخل حرم حينا دون مساءلة، وكأنه الراعي الأوحد لسكان هذا الحي.

أما جامعا حينا: في كل زاوية من زواياهما، كان لي فيها ذكريات، لا تبرح مادام نفس يتردد، وكنت أتنقّل بين هذا وذاك، أنهل منهما علما وأدبا.

وماذا عن مدرستنا(سعد الله الجابري)؟... فيها تلقينا التعلم الابتدائي، وهي الوحيدة يومئذ في منطقتنا، تخدّم أحياء كثيرة من حولنا، ليتكم كنتم معنا في عقد الستين، كأنها جنة في بنائها وسروها، المحيط بها من جانبيها.

وعتبي على من نشر عن تاريخ هذا الحي، أنهم لم يستقصوا الحقائق، حيث لم يقابلوا أهل الحي الأصليين، فقابلوا غرباء، يجهلون تاريخ هذا الحي، فلم يبلغوا كبد الحقيقة، ولو تواصلوا مع أشراف هذا الحي، لأدركوا -تماما- أنهم لم ينجحوا في تقريرهم.

*هل تعلمون من هم الأعلام الذين مروا بهذا الحي، منذ احتلال الفرنسيين حتى خروجنا منه؟

كثيرون هم...

* منه خرج شيخ المجاهدين الذي دوخ الفرنسيين وأطلق عليه هذا اللقب الشيخ (عيسى البيانوني)- رحمه الله-

هذا البطل هو (عبد القادر المنصور) المشهور في حلب عموما ب-(الحجار). فهو من أشعل فتيل الثورة في الميدان،على الاحتلال الفرنسي،

وكان عمدة هذا الحي بلا منازع، والحاكم المطلق فيه.

*ومنه خرج د . عبد الله علوان. ومنه خرج الشيخ محمد منصور الحجار. ومنه خرج الشيخ أديب حسون - جاء من قريته ياقد العدس، وعين في جامعه إماما وربى أطفال الحي.

ومنه خرج أستاذنا الشيخ بكري رجب إمام جامع هارون داده. ومنه خرج الشيخ محمد مرطو. وكلاهما- أصلا- من الباب.

*وتبقى صورتان، لم تبارحا ذاكرتي، وقد نقشتا في حرم جامع(قاضي عسكر)، فهما ماثلتان لدى جيل عقدي الخمسين والستين، من تاريخ هذا الحي:

1-هذا الجامع نقش فيه تاريخ كبير، وقيم، فيه آثار علمية عبر التاريخ، لم أر أحدا ممن كتب عنه قد ذكرها.

*من هذه الآثار المنقوشة... أثر لعلمين اثنين : -هما الشيخ أديب حسون. *والشيخ مراد حيلاني.

كلاهما كان يعلم الأبجدية والقرآن، كان لي الشرف أن كنت تلميذا لهما في طفولتي فيه، وشبابي في الشعبانية، قبل انتقالي إلى روضة الأتاسي.

ولما انتسبت إلى الشعبانية، كان الشيخ مراد، فيها مدرسا للقرآن، فأخذت منه.

*ولما كتبت عن حينا التراثي المميز والعريق، فما كان من صديقي الأستاذ الشاعر جميل جانودي، إلا أن كتب من توه شعرا بحق مسجده، وأرسله لي، يقول:

*مسجد علم وجهاد:

(هو مسجد جنباته تروي معا*لمَ قصـــــة أبطالها عُقبــانُ)

(كانوا رجالات بحق شيــدوا*صرحًا بــه يتفاخر الإنسان)

(في حي قاضي عسكرأنواره*سطعت وفيه بلاغة وبيــانْ)

يتبع.....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين