على وقع وباء كورونا وانتشاره في البلاد  هل هناك (عدوى) أم لا؟

تُعَرَّفُ (العدوى) بأنها: انتقال المرض إلى الغير، وهذا أمر يؤكده الطب بشكل شبه قطعي، وينفيه بعض من قرأ الأحاديث النبوية بشكل قطعي اعتمادا على تأويل لهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا عدوى).

والذي يريد استنطاق الشرع في قضية لا يمكنه بناء الحكم على رواية واحدة ترد في حقها، وإنما عليه تتبع سائر ما ورد فيها من روايات ليخرج بعد ذلك بحكم كلي.

وهذا الحديث، (لا عدوى)، صحيح ثابت، أخرجه الإمام البخاري، وغيره، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ، وَلاَ هَامَةَ). فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الإِبِلِ، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ 

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ)

والعدوى انتقال المرض، والصَّفَر حكة جلدية مثل الجرب، والهامة أسطورة جاهلية بتحول عظام المقتول ظلما إلى طائر يبقى يصيح فوق القبر حتى يؤخذ بالثأر.

فالحديث بمنطوقه نفى هذه الثلاثة. ولكن تتمة الحديث تجعلنا ننظر في المراد منه.

فالنبي عليه الصلاة والسلام طرح إشكالية صحيحة لا لبس فيها، وهي: لو أن العدوى بحدِّ ذاتها مؤثرة، فمن أين أصابت العدوى الذي مرِضَ أولا؟ 

إذن المرض ليس بمجرد العدوى، وإنما له أسباب، وتتفاوت جسوم الناس في التجاوب مع هذا المرض، والذي نسميه اليوم فيروسا، فمن الأجسام من تتأثر به، ومنها ما لا يتأثر به، والدليل عليه، في حالة الكورونا اليوم مثلا، أنه ليس جميع أهل البلد الذي حل فيها يصيبهم، وإن أصاب البعض فإن تأثيره يتفاوت بين جسم وجسم، هذا كله شاهدناه بعد حصول المرض، ولأننا لا نملك معرفة مسبقة بهذه الأجسام وقابليتها من عدمها كان لا بد من الاحتياط بعدم مقاربة من حمل المرض أولا، وهذا ما يقوم به الطب من إرشادات اليوم. 

ضرورة الأخذ بالأسباب 

وهو ما أرشدنا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الذي أخرجه البخاري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ). أي لا يُدخِلُ صاحبُ الإبل المريضة إبِلَهُ على إبلٍ صحيحة، والعكس، وهذا طبعا في الأمراض التي تحمل خاصية الانتقال من جسم إلى آخر، وهي الفيروسات.

وله أيضا ملمح آخر ذكره العلماء في تفاسيرهم يعود إلى مراعاة شعور المرضى، فلو قدر لشخص صحيح زيارة رجل مريض مرضا ينتقل في الهواء (فيروس)، وكان جسمه قابلا لحمل هذا الفيروس، سوف يعود باللائمة على المريض أنه كان سببا في إصابته، بينما الحقيقة غير ذلك، فكم من صحيح زار حاملا لفيروس ولم يتأثر به. 

وهذا ما ألمح إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الجمع بين الروايات قائلا: «وحاصله أن قوله: (لا عدوى) نهيٌ عن اعتقادها. وقوله: (لا يورد) سبب النهي عن الإيراد خشية الوقوع في اعتقاد العدوى أو خشية تأثير الأوهام». 

بل إن بعض العلماء حمل (العدوى) على الاعتداء، بمعنى لا يكون المريض سببا بنقل المرض إلى غيره عن طريق المخالطة، وعلى هذا المعنى حمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ، فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) ، [أخرجه الإمام أحمد في مسنده والشيخان]. 

وهو أحد الأحكام الشرعية التي وافقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في اجتهاده، وذلك يوم قدم الشام، فلما كان في منطقة تسمى السَّرغ لقيه قادة الجند وفيهم أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وأخبروه أن الطاعون ضرب الشام، وهو الذي عُرِف بطاعون عمواس، فاستشار عمر القوم، وأخذ قرارا بعدم دخول الشام والرجوع إلى المدينة، ولم يكن على معرفة بالحديث، حتى جاء عثمان بن عفان رضي الله عنهٍ وأخبره بالحديث، فحمِد الله تعالى على موافقته الشرع.

فهذا، والله أعلم، مَحْمِلُ قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا عدوى) أي: لا عدوى مؤثرة بذاتها، وإنما هو كما سبق بيانه. والله أعلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين