ملاحظات على علاقات الآباء والأمهات مع الأبناء ، من وحي الواقع

لا شكّ ان الله فطر الأمّهات على العاطفة اتجاه أبنائهنّ ، وعلى العطاء وعلى الحبّ والتفاني ، كما فطرهنَّ على إحساسهنّ بالضعف في رحلة الحياة ، ومن هنا نجد أنّ بناء العلاقة من طرف بعض الأمهات مع أبنائهنَّ معقود على حبّ امتلاكهم بروابطَ يكون فيها الأبناء عزوةً لأمهاتهم عندما يصبحون رجالاً !

وهذه العزوة تكون سلاحاً لهنّ في وجه المجتمع الذي ترى فيه ضعفها ، ويُستخدم هذا السلاح بحسب واقع حال هذه الأم ، فمن كانت مشكلتها مع والد أولادها ، وكان نصيبها في القيم والأخلاق قليلاً تجدها تستخدم هذه العزوة ضد أبيهم !!! وأساليب هذا الاستخدام تختلف باختلاف ذكاء الأم واختلاف حرصها على القيم . ومن كانت مشكلتها مع المجتمع الذي حولها فتجدها تتحصّن بهذه العزوة ضدَّ هذا المجتمع بغض النظر عن تقييمنا لها بأنّها صاحبة الحق في مشكلتها مع والد أولادها ومع المجتمع أمّ أنّها ليست صاحبة حق ، وخلاصة القول: إنّ الغالب فيما شاهدناه في الحياة وما مرّ علينا من تحارب هو أن بعضَ الأمّهات يستثمرن حبّهنّ وعطاءهنَّ لأبنائهنّ لامتلاكهم والاستنصار بهم ( ولا أعمّم في هذا على كلّ الأمهات كما أنني لا أحصر غايات العطف والحنان والعطاء في الامتلاك والإستنصار فقط، إنما أتحدث عن النسبة الغالبة ) ولذلك نرى أنّ أولَ أثرٍ من آثار معنى الامتلاك هو هذا العداء الذي نراه بين أغلب الأمهات وبين زوجات أبنائهنّ إلّا من رحم ربّي مما نراه في الواقع ( وعندي بعض الأمثلة المُشرّفة على من رحم ربّي ، في حين أن الأمثلةَ كثيرةٌ على الجانب الآخر ) علماً أنه قد تكون أسباب هذا العداء عند زوجة الابن أو عند الطرفين !!! كما أنّ أوّل أثر للاستنصار بالأبناء هو ميلُ الأبناء إلى أمّهم في حال وقوع خلافٍ بين الأم والأب مهما كان الحقّ في صالح الأب

أمّا لو نظرنا إلى علاقة الآباء مع أبنائهم ، فغالباً ما نجد أن عطاءات الوالد لابنه من حبٍّ ورعايةٍ ومادّةٍ وتوجيه وحزم وقسوة وعقاب هي عطاءات بلا مقابل ، فالأب لا يضع في حسابه أن يستثمر هذا الابن لصالحه ، بل غالباً يكون على يقين أنّه آخر المستفيدين من ابنه ، فالوالد همُّه أن يكون ابنه ناجحاً ، ولا ينتظر من ابنه عائدات شخصيّةً لهذا النجاح ، ولذلك تجد أنّ الوالد يحزم ويقسو على ابنه لتقويمه وإصلاحه ويجعله ناجحاً قوياً في المجتمع حتّى لو حمَلَ الابنُ في قلبه على أبيه ، لأنَّ غاية الوالد في نجاح ابنه أسمى من أن يكسبه إلى صفّه مع يقينه أنَّ الأيام ستكشف للابن صدقَ محبة أبيه له ، وغالباً ما يكتشف الابنُ هذا المعنى بعد موت والده وفوات الأوان

قد أجدُ اعتراضاً من بعض الأخوات بسبب براءتهنَّ مما جاء في هذا التحليل ، وعليه أقول : يا أخواتي أنا لا أعمّم ولكن أتحدث عن غالبيّةٍ نراها وترونها في هذه الحياة ، وبالمقابل لا أعمّم بتحليل واقع الآباء ولكن أتحدث عن الغالبية أيضا

ولعلّ الأشهر التسعة التي تحملُ فيها الأمّ أبناءها في رحمها هي الفيصل في هذه العلاقة ، فخروجُ الابن من رحم أمّه إلى الحياة لا يعني عند الأمّ انفصاله عنها فهو قطعةٌ منها أينما كان.

كلّ التقدير والاحترام والتكريم والتعظيم للأمهات وللآباء فرحلةُ الحياة معقّدةٌ متداخلةٌ بين الوضوح الجليّ والغموض المُحيّر ، فإنْ أخطأتُ في تحليلي فالسببُ يعود إلى ما شاهدته من أمثلةٍ في هذه الحياة وهي ليست قليلة ، وإنْ أصبتُ فليست غايتي التقليل من شأن الأمهات وفضلهنّ ، وليست غايتي الإساءة لهنّ فأمي واحدةٌ منهن.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين