نافذة للوعي الضرورات تبيح المحظورات

يكثر في مثل هذه الأحوال الاستثنائية التي تمر بها الأمة تدوال هذه القاعدة الشرعية المعروفة (الضرورات تبيح المحظورات)، وتجري على ألسن كثير من الشباب ممّن ليس لهم باع في الفقه ولا في أصوله، مع أن هذه القاعدة كتبت فيها بحوث ودراسات كثيرة لا حصر لها، وهنا لا بد من الإشارة السريعة إلى بعض القواعد والمسائل الضابطة للاجتهاد في تطبيق هذه القاعدة:

1- التفريق بين مفهوم الضرورة ومفهوم المصلحة، فليست كل مصلحة ترتقي إلى مستوى الضرورة، وأغلب الذي يسميه الناس اليوم (ضرورة) هو في الحقيقة مصلحة لا ترتقي إلى مستوى الضرورة. والتفريق بينهما يحتاج إلى اجتهاد دقيق، وقد نتفق وقد نختلف.

2- ليست كل ضرورة تبيح كل محظور، فالحفاظ على النفس ضرورة، نعم، لكن إذا لا يتم الحفاظ على نفسك إلا بقتل نفس أخرى (بريئة)، فلا يجوز لك أن تقتل تلك النفس، ومثل ذلك لو هدّدت بالقتل أو انتهاك عرض امرأة، فلا يجوز لك انتهاك عرضها لدفع القتل عن نفسك.

3- الضرورة تقدر بقدرها، فأنت ترتكب من المحظور بالقدر الذي يدفع الضرورة، ولا تتمادى، فلا تشرب من الخمر أكثر مما يدفع عنك الهلاك بسبب العطش، أما استغلال القاعدة (خاصة في العلاقات السياسية) لتزيين الباطل وقلب الحقائق فوق ما تقتضيه الضرورة فهذا باطل وإثم بيّن.

4- عند تعارض الضرورات تقدّم ضرورة الدين والعقيدة، ولذلك (من قتل دون دينه فهو شهيد) أما ما ورد في قوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) فمعناه التلفظ بكلمة الكفر مع وجود الإكراه الملجئ الذي لا لبس فيه، بمعنى أن الناس لا ينخدعون بهذه الكلمة لأن الاضطرار واضح لهم، كما في حالة سيدنا عمار، أما إذا حصل اللبس عند الناس بحيث يمكن أن تتسبب لهم فتنة في عقيدتهم، فهذا له وضع آخر، خاصة إذا كان الكافر أو الظالم الفاجر لم يطلب منك صراحة هذا اللفظ وإنما أنت من يتبرع به ويجتهد في اختياره، كأن تسمي القاتل المجرم الفاجر (شهيدا) فهذا تزكية له ولمنهجه ولجرائمه، وإدانة ضمنية لضحاياه، وليس أمام الناس أي صورة للإكراه على هذه الكلمة.

اللهم هذا علمي في شرعك وقد بلغته كما فهمته، اللهم فاشهد

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين