فيلم الرسالة في الميزان

ثلاث ساعات تقريباً يمضيها كل محب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يتابع أكبر عمل فني مبكر ومبتكر يحكي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

‏إنه فيلم الرسالة، الذي تفتحت عيوننا على تفاصيله منذ نعومة أظفارنا، فقد كنت أبلغ من العمر عامين حين أتم المخرج السوري الأصل (الأمريكي الجنسية)، إخراج وإنتاج هذا الفيلم عام ١٩٧٦م، والذي بدأ العمل بإعداده في المغرب ثم أكمله في ليبيا، وبدعم مباشر من الحكومة الليبية والمغربية والكويتية، بعد مشكلات واعتراضات منعت من إتمام إنتاجه وعرضه في المغرب.

‏وقد واجه هذا الفيلم اعتراضات من هيئات إعلامية ودينية في السعودية وغيرها، وإن كانوا قد أقروا عرضه لاحقاً .. ومما يلفت الانتباه رفضه من قبل رابطة العالم الإسلامي في السعودية والتي كانت ممثلة بكبار العلماء من مختلف بلاد الإسلام، وموافقة الأزهر في مصر والمجلس الشيعي في لبنان كلاهما معاً على السيناريو الذي كتبه توفيق الحكيم وغيره من العرب وغيرهم!!

هذا التوافق السني الشيعي عليه، له ما له وعليه ما عليه، لكنني لم ألمس غلواً أو تغولاً شيعياً على مشاهد الفيلم كما يرى البعض، وإن كان فيه إيحاءات شيعية لا تخفى، ولعل أبرزها ظهور سيف علي رضي الله عنه برأس ذو شعبتين، ويبدو أن سيف علي رضي الله عنه له فقار أي تعرجات تشبه العمود الفقري في منتصفه، وأما الشعبتان فهناك من يرى أنهما تجسدان شكل خنجر المجرم أبي لؤلؤة المجوسي، قاتل عمر رضي الله عنه، كما أن الفيلم لم يجسد أدوار الصحابيان الكبيران (أبو بكر وعمر رضي الله عنهما) كما ينبغي.

‏وقد توافق الجميع على ضرورة إخفاء صورة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وصوته وظله في الفيلم.

وقد بلغت كلفة إنتاج الفيلم بالنسخة العربية والإنجليزية ١٠ مليون دولار، وترجم إلى أكثر من ١٢ لغة عالمية.

ومع شدة المعارضة لعرضه في العالم العربي ابتداءً تم العرض الأول له في مدينة لندن، وقد اعترض على العرض عدد من الجماعات والمراكز الإسلامية هناك، مما اضطر المخرج إلى تحويل اسمه الذي كان في البداية: (محمد رسول الله)، إلى فيلم الرسالة (The message).

‏هذا ومن الملاحظات العامة على الفيلم وقبل الدخول في التفاصيل ما يأتي (ملاحظاتنا كلها علمية وليست فنية):

- تركيز المخرج على الروايات التاريخية المشهورة للسيرة أكثر من الروايات الحديثية الصحيحة المسندة، بل وتجاوز ذلك إلى ابتداع (روايات سينمائية) من نسج خياله، لا أصل لها عند المحدثين، ولا شهرة لها عند المؤرخين.

- ‏وجود عدد كبير من غير العرب والمسلمين في هيئات السيناريو والتصوير والتمثيل ملفت للانتباه ويدعو للريبة، لدرجة أن المخرج طلب لهم مكاناً خاصاً ليشربوا الخمر كما ذكر ذلك في إحدى المقابلات التي تابعتها له.

- إهمال المخرج لذكر السنوات التي ارتبطت بها أحداث السيرة عموماً.

- ‏إهمال المخرج لإحصاء الأعداد؛ كأعداد المشاركين في الغزوات والشهداء والمهاجرين للحبشة والمبايعين وغيرها على الرغم من ثبوتها.

- ‏إهمال المخرج لشخصيات كبرى كأبي بكر وعمر وعثمان وحتى علي رضي الله عنهم، على الرغم من إبرازه المتكرر لشخصية حمزة وبلال وعمار وزيد بن حارثة رضي الله عنهم .. بل إخفاؤه كذلك لجهود العشرة المبشرين في الجنة عموماً!!

- ‏أهمل المخرج دور المرأة في الدعوة، فهو على الرغم من إبرازه لدور هند بنت عتبة الشرير في معظم المواقف، إلا أنه لم يأت على ذكر خديجة رضي الله عنها الا مروراً عابراً ولم يذكر أي زوجة أخرى، ولا حتى بنات وأولاد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نساء المسلمين.

- ‏أهمل المخرج جميع المواقف التي لها علاقة باليهود على الرغم من ذكره المتكرر لمواقف زعيم المنافقين عبد الله بن أبي سلول، فهو لم يذكر مطلقاً شيئاً عن قينقاع ولا النضير ولا قريظة ولا خيبر، وهذا مما يضع علامة استفهام كبرى على هذا العمل الكبير.

- ‏كما أهمل المخرج أي مواجهة بيننا وبين النصارى الروم فلم يذكر غزوة مؤتة ولا غزوة تبوك؟!!!

- ‏عموم الحوارات التي كانت تجري بين المشركين أو بين الصحابة لا دليل على صحتها، وإن كانت موافقة في معظمها لروح السيرة النبوية، ومن ذلك؛ حوارات أبي سفيان لزوجته هند، وحوار حذيفة بن عتبة مع إخوانه وأبيه، وحوار جعفر رضي الله عنه مع عمرو بن العاص حول نظرة الإسلام للمرأة في مجلس النجاشي، وحوار ابن سلول لزعماء قريش قبيل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكل ذلك عبارة عن (روايات سينمائية) لا أكثر.

- ‏صحيح أن ثمة عهر وفجور لدى المشركين، لكن لا داعي لوجود الراقصات في فيلم الرسالة قبيل غزوتي بدر وأحد.

- ‏الموسيقى التصويرية التي رافقت الفيلم كله لا داعي لها ويمكن استبدالها بأصوات طبيعية.

- ‏لا يذكر المخرج شيئاً عن أولاد الصحابة كابن عمر وابن عباس وغيرهما.

- ‏لا يوجد أي عناية في الفيلم بآيات وتشريعات العهد المكي والمدني.

- ‏لا ندري هل تعمد المخرج تشويه صورة اللحية، فبعض الصحابة بلا لحى كبلال مثلا، وبعضهم بأنصاف لحى، بينما المشركون فكلهم ذوي لحى مخيفة الشكل أحياناً.

‏ثمة فروق جوهرية وشكلية بين النسخة العربية، والأجنبية (الإنجليزية) والتي ذاع صيتها بشكل واسع في الغرب، تجعلنا نفترض سوء نية هيئة الإنتاج والإخراج لهذا الفيلم، ومن تلك المغالطات:

١. أخطاء واضحة في الترجمة (خصوصاً في ذكر بعض الأسماء والعبارات).

‏٢. حذف بعض المشاهد عن الموجود في النسخة العربية (مثل مشهد تأثر عداس النصراني بالنبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من ضعف روايته).

‏٣. إضافة بعض العبارات غير الموجودة في النسخة العربية (تابع مشهد مجلس النجاشي، ومشهد مجالس تعليم الصحابة للناس بعد الرسائل التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم للملوك).

‏٤. تبديل بعض الكلام بآخر لا يصح مثل: بدلاً من تلاوة قوله تعالى في أول ما نزل من القرآن في الجهاد "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" في النسخة العربية، تجدهم يتلون قوله تعالى: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم .." في النسخة الأجنبية (في الموقف نفسه).

وقد قمت بإجراء هذه الدراسة (العلمية) التفصيلية لبيان مشاهد ذكرها المخرج وهي لا ثبوت لها، وأخرى أهملها على الرغم من صحتها وثبوتها، فإلى التفصيل، وعلى بركة الله.

أولاً: مشاهد لا ثبوت لها (غير صحيحة):

- عبارة أبو لهب: "أخشى على محمد من نفسه" وإن اشتهرت تاريخياً.

- ‏كلام زيد بن حارثة رضي الله عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل من الغار قال له جبريل: "يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل".

- كلمة خديجة رضي الله عنها لما نزل إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الغار: "إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة".

- ‏تفصيل ما جرى في بيت عمار رضي الله عنه من حوار مع والديه وكسره الصنم.

- ‏أبو سفيان يصرح بأن الناس تأتي إلى الكعبة لتطوف وتستفيد منهم قريش في التجارة، وهذا كلام صحيح لكن لا دليل عليه .. ومثل ذلك قوله في حواره مع عمار رضي الله عنه: "آلهة قريش عبادة وتجارة".

- ‏قول عمار رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله: "الناس سواسية كإنسان المشط" هذا كلام موضوع لا أصل له.

- سبب إسلام بلال رضي الله عنه وأنه ارتبط برفضه أن يضرب عماراً رضي الله عنه بعد أن قال عمار لزعماء قريش: "أن النبي صلى الله عليه وسلم يساوي بين العبد وسيده".

- ‏العروض التي عرضتها قريش على أبي طالب ليعرضها على النبي صلى الله عليه وسلم، وردُّ النبي صلى الله لم يثبت وهو: "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

- ‏شكل وطريقة الجهر بالدعوة، وهل جهر الجميع بالدعوة بالطريقة المعروضة في الفيلم؟

- إسلام حمزة رضي الله عنه كان في العام السادس للبعثة، وليس كما ظهر في الفيلم بأنه بمجرد الجهر بالدعوة في نهاية العام الثالث للبعثة، وكلماته لأبي جهل وحواره بعد ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليه.

- ‏محاولة إيهام المشاهدين أن مهاجري الحبشة كانوا من طبقة الضعفاء، فهذا غير دقيق، لأن فيهم من له منعة في قومه؛ ومن هؤلاء أميرهم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وعثمان بن عفان رضي الله عنه.

- ‏حادثة تمزيق الصحيفة وأكل دودة الأرَضة لها كلها عدا جملة: "باسمك اللهم" لا سند لها، فهي مشهورة تاريخياً فحسب.

- ‏تلاوة حمزة عند تمزيق الصحيفة قوله تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً".

- ‏ بعض تفاصيل رحلة الطائف؛ ومنها لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بعداس النصراني، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كل ذلك جاء في رواية ضعيفة مرسلة وإن كانت مشهورة تاريخياً.

- ‏نصوص وكلمات الصحابة عند بيعة العقبة الثانية التي جاءت في الفيلم غير دقيقة.

- ‏ذكر المخرج أن عدد المهاجرين إلى المدينة سبعون أو أكثر .. وهذا كلام لا دليل عليه، وهناك من يرى أنهم ما زادوا على الخمسين؟!

- ‏حكاية المؤامرة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة واجتماع شباب مكة حول بيت النبي صلى الله عليه وسلم لقتله رواها ابن إسحاق وغيره بإسناد ضعيف، لكنها بمجموع طرقها قد ترتقي إلى الحسن كما قيل.

- مشهد ‏الحمامة والعنكبوت لا ثبوت لهما وإن كانت مشهورة تاريخياً.

- ‏الرجل الذي بشّر المسلمين بوصول النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إلى المدينة كان يهودياً وليس إنساناً عادياً كما ظهر في الفيلم.

- ‏لا دليل على أن أهل المدينة استقبلوا النبي صلى الله عليه وسلم بالزغاريد، أما أنشودة "طلع البدر علينا" فلا أصل لها، وإن كانت مشهورة تاريخياً.

- ‏ولا دليل على أن ابن سلول عرض على النبي صلى الله عليه وسلم الإقامة عنده حين دخوله المدينة.

- ‏ جاء في الفيلم أن المؤاخاة كانت بأن يعانق كل مهاجر أنصارياً، وأن بلالاً عانق زعيم المنافقين ابن سلول، والصحيح أنها كانت بالقرعة فيما بين الأنصار، والمشهور تاريخياً أن بلالاً كان أخاً في الاسلام لأبي رويحة الخثعمي.

- أصل ‏الوثيقة (وثيقة المدينة) ثابت، ولكن تفاصيلها وبنودها التي ذكر المخرج بعضها تاريخية.

- ‏أخطأ المخرج حين أظهر أن فكرة سرايا مواجهة قريش الأولى بدأت من ابن سلول حين حرض المسلمين على المشركين الذين نقل لهم خبر سلب قريش لممتلكاتهم في مكة، ثم أخذ الفكرة عنه وتحمس لها حمزة رضي الله عنه، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ بها من السنة الأولى!

- ‏لا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع أصحابه لغير الصلاة بالأذان كما فعل بلال قبيل غزوة بدر.

- ‏قول حمزة رضي الله عنه بأن سيف علي هو أول سيف في الإسلام لم يثبت .. وأما ذو الفقار (ذا الشعبتين) فقد غنمه النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ثم أعطاه لعلي رضي الله عنه، وهذا يعني أن ما نراه في غزوة بدر على أنه سيف لعلي غير صحيح لأنه حصل على ذلك بعد الغزوة.

- ‏مشهد مقتل أبي جهل في بدر غير صحيح، والصحيح الثابت أن عبد الله بن مسعود والغلامين (معاذ ومعوذ) رضي الله عنهم اشتركوا في قتله في تلك الغزوة.

- ‏ما جرى بين هند ووحشي غير صحيح فلا علاقة لهما ببعضها .. والذي اعتق وحشي سيده جبير بن مطعم مكافأة له على قتل حمزة .. فقد روى البخاري على لسان وحشي: "إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر" .. وكلهم نالوا شرف الإسلام لاحقاً؛ هند والعبد وسيده رضي الله عنهم وعن سيد الشهداء حمزة، ولم يثبت دليل يقول بأن هند لاكت كبد حمزة رضي الله عنه.

- ‏لم يكن الحوار الذي أجراه المخرج بين الصحابة الكرام وأبي سفيان عند الانتهاء من الجولة الثانية من غزوة أحد دقيقاً ولا كاملاً.

- ‏هنالك ما يثبت أن الكفار مثّلوا بجثة حمزة بعد قتله في غزوة أحد، ولكن لا صحة لما في الفيلم من أن هند لاكت كبده، لأن الراوي لهذا الأمر منكر الحديث وحديثه ضعيف.

- ‏محاولة استفزاز خالد بن الوليد للقادمين لأداء عمرة الحديبية التي في الفيلم لا دليل عليها.

- ‏أظهر المخرج أن أبا سفيان قبيل فتح مكة جاء إلى جيش الإسلام بإرادته، والثابت أنه وقع في الأسر وهو يتحسس خبر المسلمين، ثم أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الإسلام بعد استعراض قوة المسلمين وهيبتهم، فأسلم.

- ‏مشهد دخول مكة وما رافقه من قرع للطبول وتكبيرات العيد لم تثبت.

- ‏أثناء تحطيم الأصنام ذكر المخرج آية لم يثبت ورودها هنا وهي: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشركْ (بتسكين الكاف وليس بفتحها كما سمعناها ممن قرأها في الفيلم) بي شيئاً وطهر بيتي .. ".

- ‏صعود بلال رضي الله عنه وأذانه على ظهر الكعبة عند فتحها فيه ضعف.

- ‏قول النبي صلى الله عليه وسلم لمشركي مكة عند فتحها: ما تظنون أني فاعل بكم .. وقوله:" اذهبوا فأنتم الطلقاء" كلها جاءت بأسانيد ضعيفة .. أما صفة الطلقاء لمن شهد الفتح من المشركين فقد أثبتها البخاري في رواية توزيع النبي صلى الله عليه وسلم لغنائم حنين حيث أعطى أناساً منهم الطلقاء.

- ‏ذكر المخرج أن آخر ما نزل هو قوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم .. " والصحيح أنها وإن نزلت يوم عرفة إلا أنها لم تكن آخر ما نزل .. بل آخر ما نزل هو قوله تعالى: "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (البقرة: 281).

ثانياً: مشاهد ثابتة ومهمة في السيرة النبوية ولا وجود لها في الفيلم:

ولا نقصد هنا بالضرورة أن نُلزم المخرج بإظهار دقائق تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها، فهذا مما تعجز عن إدراكه الأقلام فضلاً عن استيعابه في الأفلام، ولكن كثيراً من التساؤلات تثار عن سبب إعراض المخرج عن أحداث عظيمة وثابتة، في حين تناوله لأحداث ضعيفة أو لا أصل لها أو أقل أهمية مما تركه .. ومن هذه الأحداث والمواقف والعناوين الصحيحة الثابتة المفقودة هنا:

- كانت بداية الفيلم مع رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك موفقة وتناسب اسم الفيلم .. لكنه لم يبين تفصيل ما جرى من ردودهم كلها، ونسي رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي (وهي ثابتة وهو غير النجاشي الصحابي الذي احتضن الصحابة قبل ذلك).

- ‏ترك الحديث عن نسب وولادة النبي صلى الله عليه وسلم وطفولته، وشق صدره، وكفالته، وشبابه، وزواجه، وتجارته ودوره في تجديد بناء الكعبة، وحلف الفضول، وحرب الفجار، مشكلة؛ حيث قفز إلى الكلام حول بعثته مباشرة، على الرغم من حديثه السريع عن حال مكة قبل الإسلام.

- ‏عدم ذكر حكاية ورقة بن نوفل مطلقاً، على الرغم من دوره الكبير في إعلان نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

- ‏لا ذكر لأبي لهب إلا عرضاً عابراً، ولا لمواقفه وما نزل فيه وفي زوجته من سورة المسد.

- ‏لا ذكر لصور إيذاء المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم المتنوعة.

- ‏دار الأرقم بن أبي الأرقم لم يأت حولها حديث، وفهم المشاهد أنها هي التي اجتمع فيها بعض الصحابة خفية، دون تسمية لها، مع عدم ذكر فكرة الدعوة السرية وأحوالها مطلقاً.

- ‏عدم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعشيرته يا صباحاه حين جهر بالدعوة مع ثبوته.

- ‏إسلام عمر رضي كان في العام السادس للبعثة ولم يأت المخرج على ذكره مطلقاً.

- ‏كان عدد مهاجري الحبشة (الهجرة الأولى) ستة عشر منهم: ١٢ رجل، و٤ نساء، وهذا لا يظهر في الفيلم، كما أن المخرج ذكر الهجرة الأولى ولم يبين عودة المهاجرين، ولم يذكر الهجرة الثانية مطلقاً، وقد بلغ عدد المهاجرين فيها مائة وواحد.

- ‏لم يذكر المخرج عن مهاجري الحبشة بعد موقف النجاشي مع جعفر رضي الله عنه أي شيء مطلقاً، لا عودة بعضهم بعد الهجرة للمدينة، ولا عودتهم كلهم يوم خيبر.

- لم يظهر في الفيلم فعل عمرو بن العاص مع الرهبان وشراءه لذممهم بالهدايا.

- ‏مجمل الكلام في مجلس النجاشي ثبت غيره برواية أم سلمة، كما أنهما مجلسان أو لقاءان مع النجاشي جعلهما المخرج مجلساً واحداً.

- لم يذكر المخرج شيئاً عن إسلام النجاشي.

- ‏عام الحزن كان في السنة التاسعة والمخرج يمر عليه مرور الكرام، بل يقف عند موت أبي طالب أكثر من وقوفه عند موت خديجة رضي الله عنها.

- ‏لحظة وفاة أبو طالب غير دقيقة فقد جعل مصيره معلقاً، والراجح أنه نطق بالكفر عند موته خشية أن تعيره بكلمة التوحيد قريش.

- ‏لم يظهر حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف، بل رجم صبيانهم لزيد بالحجارة مباشرة.

- ‏لم يذكر حكاية ملك الجبال والأخشبين ولا إسلام الجن ولا إغلاق مكة في وجهه صلى الله عليه وسلم عند عودته من الطائف وكلها صحيحة.

- ‏ لم يذكر رحلة الإسراء والمعراج ولو بكلمة واحدة مطلقاً.

- ‏ لم يذكر مشهد عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل.

- ‏ لم يذكر بيعة العقبة الأولى.

- ‏ لم يذكر هجرة عمر رضي الله عنه لا سراً ولا علناً.

- ‏ لم يذكر حكاية سراقة بن مالك ولا حكاية بيت أبي معبد مع ثبوتهما، وإن كان هنالك ضعف في وعد النبي صلى الله عليه وسلم لسراقة بسواري كسرى.

- لم يذكر قباء أبداً، لا مسجدها ولا مكوث النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

- ‏حكاية الأذان فيها قصة صحيحة أهملها المخرج، وظهر الأمر كأنه تكليف لبلال، وأن الكلمات جاءت من بلال رضي الله عنه.

- ‏لا ذكر في الفيلم للسرايا كبواط والأبواء وذا العشير وذو قرَد وغيرهما.

- ‏لا ذكر لحادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.

- ‏لا ذكر لبدء تشريعات أركان الإسلام كالصيام والصلاة والحج ومنع الخمر وغيرها.

- ‏لا إشارة إلى بطولات الصحابة الكرام في المعارك مثل أبو دجانة ومصعب وابن النضر وسعد بن أبي وقاس وأبو عبيدة وغيرهم رضوان الله عليهم.

- ‏لا بيان لسبب غزوة بدر ولا مشاورة الصحابة عندها.

- ‏لم يذكر المخرج حكاية ما جرى لأسرى بدر وعددهم، واكتفى ببيان أنه مطلوب منهم أن يُعلم كل منهم عشرة من المسلمين، فلم يذكر حكاية الفداء، ولا ما جرى من اقتراح عمر رضي الله عنه بقتلهم.

- ‏ لم يذكر نزاع الصحابة حول الغنائم بعد بدر، وفيه نزلت مطالع سورة الأنفال.

- أظهر المخرج حزن كفار مكة بعد بدر، ولم يظهر فرحة مسلمي المدينة.

- ‏لا يذكر المخرج غزوة يهود بني قينقاع بين بدر وأحد.

- ‏لا يذكر مطلقاً السبب الحقيقي في هزيمة المسلمين يوم أحد؛ وهو نزاعنا في مواضع عديدة قبل نزول عدد من الصحابة عن تلة الرماة.

- ‏لا يذكر المخرج انسحاب المنافقين ال٣٠٠ من الجيش قبيل الغزوة.

- ‏أهمل المخرج ذكر غزوة حمراء الأسد بعد أحد على الرغم من كونها تتمة لها.

- ‏أهمل المخرج غزوة يهود بني النضير في السنة الرابعة للهجرة.

- ‏لم يذكر المخرج حادثتي الرجيع وبئر معونة التي قتل فيهما ٨٠ من الصحابة الكرام.

- ‏أهمل المخرج ذكر غزوة الأحزاب، وغزوة يهود بني قريظة، وحادثة الإفك في السنة الخامسة للهجرة.

- ‏ذكر المخرج مشهد بيعة الرضوان والآية التي نزلت فيها، دون ذكر لاسمها ولا سببها المباشر؟

- ‏ذكر المخرج سهيل بن عمرو وهو آخر المفاوضين من طرف قريش دون ذكر المفاوضين الباقين من قريش قبله قبيل صلح الحديبية.

- ‏ذكر المخرج شروط صلح الحديبية كلها إلا الشرط الثقيل والذي يقول بأن من أحب الدخول في دين الإسلام لا يدخل المدينة، ومن أحب الدخول في دين قريش يجوز له دخول مكة.

- ‏لم يظهر المخرج انزعاج الصحابة الكرام ولا عمر رضي الله عنه من شروط الصلح ولا دور أم سلمة في المشورة.

- ‏لم يذكر المخرج تفصيل ما جرى بين هرقل وأبي سفيان رغم ثبوت ذلك.

- ‏لم يذكر سبب إسلام عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أنه ذكر مشهد إسلامه.

- ‏أهمل المخرج ذكر غزوة فتح خيبر في العام السابع للهجرة، وعمرة القضاء.

- ‏أهمل المخرج ذكر غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة.

- ‏لم يذكر المخرج حكاية حاطب بن أبي بلتعة قبيل فتح مكة على الرغم من ثبوتها.

- ‏ لم يذكر المخرج حكاية هدر النبي صلى الله عليه وسلم لدماء بعض كبراء قريش على الرغم من ثبوت ذلك.

- ‏انتقل المخرج من مشهد فتح مكة إلى مشهد حجة الوداع مباشرة، دون ذكر غزوات كبرى هي: حنين والطائف، وتبوك وحكاية المخلفين عنها وهدمه لمسجد الضرار بعدها.

- ‏لم يذكر المخرج عام الوفود في السنة التاسعة للهجرة.

- ‏لم يذكر المخرج إمارة أبي بكر رضي الله عنه للحج في العام التاسع للهجرة، ولا نزول آيات براءة التي تلاها علي رضي الله عنه في موسم الحج.

- ‏ليس لأبي بكر رضي الله عنه ذكر سوى عند الهجرة وفي لحظة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال للناس: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات".

- ‏لم يذكر المخرج في مرض النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولا مشهد تكليفه لأبي بكر رضي الله عنه بالصلاة في الناس، ولا موضوع خلافته بعده كاستمرار للرسالة، ولا تجهيزه لجيش أسامة رضي الله عنه لفتوح الشام.

ملاحظة مهمة:

لسائل أن يسأل كيف يمكن للمخرج أن يأتي على هذه التفاصيل كلها، وهو محكوم بزمن محدد؟

والجواب على ذلك من عدة أوجه:

- من الذي حكم المخرج بثلاث ساعات فقط؟

- ‏ كان بإمكان المخرج أن يستغني عن بعض الحشو الزائد أو أن يترك ما لم يصح لمصلحة ما ثبت وصح.

- ‏كان بإمكانه أن يستخدم أسلوب الحكاية والرواية الصوتية العابرة عند المرور ببعض الأحداث دون تمثيلها.

- ‏ كان بإمكانه استخدام بعض الكلام المكتوب على الشاشة لاسيما ما يتعلق بالأرقام والتواريخ.

وختاماً:

- لقد أفضى المخرج العقاد إلى ربه تعالى، فالله أسأل أن يكتب له أجر ما قدم من خير بقصد إبراز رسالة الإسلام العظيم، وأن يعفو عما صدر عنه من خلل أو نقص وزلل بغير قصد منه، وأما ما سوى ذلك فرب العزة أغير على دينه ورسالة نبيه منا نحن الضعفاء، وقد أخبرنا بأنه سبحانه بالمرصاد.

- هذا وقد ترك الفيلم في الأجيال بصمات وتشوهات .. أما البصمات؛ فلما يحمله الفيلم من روح جميلة وعاطفة جياشة وأحداث زاخرة .. وأما التشوهات؛ فلما تم ذكره سالفاً من أخطاء وتجاوزات جعلت عوام المسلمين وغير المسلمين يروا أن السيرة كأنها فيلم الرسالة فحسب!!

- والأهم من هذا وذاك أن ينبري لشرف تجسيد رسالة الإسلام علماء وأدباء ثقات يكتبون السيناريو الدقيق، ثم يوعزون لذوي الكفاية المالية من أصحاب المال الحلال من أبناء الأمة أن يتبرعوا، ليقوم فريق محترم من الممثلين بعرض سيرة أشرف الخلق، في فيلم أو مسلسل يروي شيئاً من ظمأ المشتاق إلى سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ومن حوله من الأصحاب الكرام.

- وإلا فإنني أرجو الله أن يدخلنا الجنة نحن وأحبابنا الطيبين، وحينها سأطلب منه سبحانه أن يعرض لنا السيرة النبوية كلها هناك "في مقعد صدق عند مليك مقتدر"

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين