المضامين التربوية في سورة يس (3)

 

المبحث الثاني: المضامين التربوية الاجتماعية

1- ظاهرة التطير مذمومة شرعًا

ذكر القرآن الكريم تطير أهل القرية من المرسلين {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس:18]، يقول ابن عاشور: (والتطير في الأصل تكلف معرفة دلالة الطير على خير أو شر من تعرض نوع الطير ومن صفة اندفاعه أو مجيئه، ثم أطلق على كل حدث يتوهم منه أحد أنه كان سببًا في لحاق شر به، فصار مرادفًا للتشاؤم، وفي الحديث: ((لا عدوى ولا طيرة، وإنما الطيرة على من تطيّر))، وبهذا المعنى أطلق في هذه الآية، أي قالوا: إنا تشاءمنا بكم)(1). والطيرة من معتقدات أهل الجاهلية والأمم السابقة، فجاء الإسلام ونهى عنها لما فيها من سوء الظن بالله؛ لهذا (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الطيرة ويحب الفأل)؛ لأن الفأل فيه حُسن ظن بالله عز وجل، والمؤمن مأمور أن يحسن الظن بربه عز وجل.

2- التكافل الاجتماعي مظهر حضاري دعا إليه الإسلام

ذكر الله عز وجل شماتة المشركين بضعفاء المسلمين فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يس:47]، فكانوا مع ما هم عليه من الكرم يشحّون على فقراء المسلمين، فيمنعونهم البذل تشفيًا منهم، فإذا سمعوا من القرآن ما فيه الأمر بالإنفاق أو سألهم فقراء المسلمين من فضول أموالهم يتعللون لمنعهم بالاستهزاء فيقولون: لا نطعم من لو يشاء الله لأطعمه، وإذا كان هذا رزقنا من الله فلماذا لم يرزقكم، فلو شاء الله لأطعمكم كما أطعمنا)(2). فعندما يأمر الإسلام بالإنفاق فهو يأمر بتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، وهو معاونة الفقير والضعيف ودفع حاجته بالمال؛ لذا قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [البقرة:215](3) وعلى رأس الإنفاق الزكاة الواجبة، فهي تنفرد بأنها تحقق مبدأ التكافل الاجتماعي بين الناس، فالغني بحاجة إلى الفقير، والفقير بحاجة إلى الغني(4)، وفي ذلك إسعاد الفرد والجماعة، وإشاعة الرفاه والرخاء للجميع(5).

3- الحذر من الفتنة وحماية المجتمع من الإلحاد 

أخذ الله عز وجل العهد على بني آدم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] فكل من يعبد غير الله يتبع خطوات الشيطان، فلا سبيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له وتطهير المجتمع من أدران الإلحاد وعبادة غير الله إلا بترك عبادة الشيطان، قال تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل:63]. يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (ما عبدوا الشيطان بأن سجدوا للشيطان ولا ركعوا للشيطان ولا صاموا له ولا صلوا، وإنما عبادتهم للشيطان هي اتباع ما سنّ لهم من النظم والقوانين من الكفر بالله ومعاصي الله))(6). فلا سبيل لوقاية المجتمع المسلم من هذا الإلحاد الذي انتشر عبر وسائل الاتصالات الحديثة والقنوات الفضائية المغرضة إلا عن طريق نشر عقيدة التوحيد وغرس الإيمان في النفوس وتربية المجتمع عليه.

4- الرأفة والرحمة بأصحاب المعاصي:

تذكر سورة يس ما كان عليه صاحب يس من قيم وأخلاق حيث دعا قومه بكل لطف فقال: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، وبعدما قتلوه قال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ}، قال ابن كثير نقلا عن ابن عباس رضي الله عنهما: (نصح قومه في حياته بقوله: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} وبعد مماته في قوله: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}(7). فينبغي على المسلم أن يقف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع العصاة والمذنبين، جاء في الحديث عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة)) قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))(8).

لقد عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- العصاة بكل رفق ورحمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم))(9). قال ابن حجر: (وجه عونهم الشيطان بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي، فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان، ويستفاد من ذلك منع الدعاء على العاصي بالإبعاد عن رحمة الله كاللعن)(10).

العدد السادس من مجلة مقاربات الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري

الحلقة الثانية هنا 

(1) محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، (ج22 ص362).

(2) المصدر السابق، (ج23، ص32).

(3) محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394هـ)، زهرة التفاسير، (ج2، ص677)، دار الفكر العربي. 

(4) وهبة بن مصطفى الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، ج1، ص152، دار الفكر المعاصر – دمشق، الطبعة الثانية، 1418هـ.

(5) المرجع السابق (ج1، ص209).

(6) محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (المتوفى: 1393هـ)، العذب النمير في مجالس الشنقيطي في التفسير، تحقيق خالد بن عثمان السبت، ج5، ص486، الطبعة الثانية، 1426هـ.

(7) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (ج6 ص572).

(8) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، رقم الحديث (205).

(9) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة، رقم الحديث (6781).

(10) أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (ج12، ص67) دار المعرفة - بيروت، 1379م.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين