سريبرينتسا في الذكرى الخامسة عشرة لمجزرة الإبادة.. الجريمة والعقاب

تقرير: عبد الباقي خليفة



الآن ورغم مرور خمسة عشر عاماً على جريمة الإبادة في سريبرينتسا، وعلى الرغم من اعتراف البرلمان الأوروبي بحصول جريمة الإبادة، إلا أن الصرب في بلغراد اكتفوا بإدانة الجريمة دون وصفها بـ«الإبادة»، أما صرب البوسنة فإنهم لا يزالون يعطلون البرلمان المركزي عن اتخاذ موقف يدين جريمة الإبادة، وهو ما يعني أن الصرب عموماً وصرب البوسنة خصوصاً يتخذون نفس الموقف التي تعلنه المنظمات الصربية المتطرفة، مثل «التشتنيك» و«أوبراز» وغيرها، التي تدعو لإفناء غير الصرب لإقامة «صربيا الكبرى» على حساب أراضي ودماء وجماجم الآخرين.
إصرار على الجريمة
في الذكرى الخامسة عشر لجريمة الإبادة في سريبرينتسا، التي يعاد فيها دفن 772 ضحية، (وهي أكبر جنازة حتى الآن منذ البدء في إعادة دفن الضحايا في مقابر فردية بعد اخراجهم من المقابر الجماعية), هناك اصرار صربي على انكار الجريمة بطرق مختلفة، ولذلك لم تتخذ السلطات الصربية أية اجراءات ضد الصرب المتطرفين الذين ينشرون الكراهية، ويمارسون الاعتداءات ضد المسلمين، بالقول «إن هذا ليس موقفنا» و«لا يمكننا منعهم من التعبير»، حتى وإن كان التعبير دعوة للقتل، وإشادة بجرائم الإبادة!!!
وقالت رئيسة «جمعية أمهات سريبرينتسا» منيرة سوباتشيتش: «صرب البوسنة يؤكدون بموقفهم هذا أنهم لا يزالون يتحلون بالطبع الدموي، وبروح الكراهية، وتبييت نيّة الاجرام والإبادة», وتابعت: «أعضاء البرلمان الصرب يرسلون من خلال منع التصويت على بيان حصول إبادة في سريبرينتسا، إشارات خطيرة، تهدد مستقبل جميع السكان في البوسنة», وأردفت: «البرلمان الاوروبي أصدر في سنة 2009م بياناً يدين جريمة الإبادة، ولكن يبدو أن البرلمان البوسني، في ظل الدستور الحالي الذي تمثله اتفاقية دايتون التي أعدها الامريكان، سيأخذ وقتاً طويلاً قبل صدور بيان من هذا القبيل».
فرادة سريبرينتسا
ويخشى الصرب من أن الاعتراف بارتكاب جريمة الإبادة في سريبرينتسا، يعني كشف الحقيقة للعالم، وهي أن ما حصل عليه الصرب في اتفاقية دايتون، كان نتيجة الإبادة في سريبرسينتسا، وقال عضو البرلمان من صرب البوسنة، سلافكو يوفيتشيتش، إنه في حال اعترافه شخصياً بجريمة الإبادة في سريبرينتسا، فإن ذلك يعني أنه يجب علينا الرحيل، وسيكون هناك وضع شديد الحرج لنا، ولا سيما في بيالينا وبنيالوكا» وهما مدينتان بوسنيتان، شهدتا أفظع جرائم الإبادة والتهجير في بداية العدوان على المسلمين في البوسنة والهرسك سنة 1992م. ويقترح الصرب إصدار بيان يدين جميع الجرائم بدون ذكر الأماكن والجناة، وهو ما يعني بالنسبة إلى المسلمين تمييع الحقائق، وتزوير التاريخ، إذ إن المسلمين يمثلون نسبة 92 في المائة من ضحايا العدوان، بينما لم تزد نسبة ( ضحايا ) الحرب من الصرب على خمسة في المائة، والكروات على ثلاثة في المائة، وفق احصائيات الأمم المتحدة.
جريمة الإبادة في سريبرينتسا، تختلف عن بقية الجرائم، ولذلك لا يمكن مساواتها، بأي حوادث قتل أخرى، إذ إنه في وقت قياسي، وباستغلال عملية نزع الأسلحة من المسلمين في عهد الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي، قتل أكثر من ثمانية آلاف من العزل تحت مرآى ومسمع أوروبا وأمريكا وحلف شمال الأطلسي. وتزامناً مع إشغال (المسلمين)، بمن يربح المليون، و«نجم الخليج» و«سوبرستار»، وغيرها من البرامج الموجهة.
إذن لا يمكن جمع جريمة الابادة في سريبرينتسا وغيرها من الجرائم، فضلاً عن قتلى الحرب والمواجهات العسكرية، حيث كان المسلمون المتضررون الوحيدون من حظر بيع الأسلحة لدول يوغسلافيا السابقة، فالجميع كانوا يدركون أن صربيا وكذلك كرواتيا من الدول المصنعة للاسلحة،  وتدرّ على بلغراد مليارات الدولارات، ومن زبائنها ليبيا والكويت والجزائر ودول اسلامية وعربية أخرى.
محاكمة الجناة
 
ليس هناك ما هو أدل على فرادة ما حصل في سريبرينتسا من المحاكمات الجارية للمجرمين الصرب، وفي مقدمتهم رادوفان كراجيتش، واستمرار فرار الجنرال راتكو ملاديتش. وفضلاً عن الذكريات الأليمة التي يحييها المسلمون في مواعيدها المسجلة كل سنة، التي تمثل شهادة حيّة على ما جرى ليس في سريبرينتسا فقط بل في البوسنة بأسرها.
لذلك فقد أصدرت محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغوسلافيا حكماً بالسجن مدى على الحياة على كل من: فويادين بوبوفيتش (53 سنة)، وليوبيتشا بيارا، بعد إدانتهما بارتكاب جرائم حرب في سريبرينتسا في تموز سنة 1995م. وحكمت المحكمة على، دارغو نيكوليتش (53 سنة)، بالسجن لمدة 35 سنة، وعلى، راديفوي ميليتيتش (63 سنة)، بـ19 سنة سجناً حيث كان مساعداً لقائد قوات صرب البوسنة الفار حتى الآن من العدالة، الجنرال راتكو ملاديتش، وعلى ليوبومير بوروفتشانين (50 سنة)، بالسجن لمدة 17 سنة بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الانسانية وخرق القانون الدولي، وهي نفس التهمة الموجهة لبوروفتشانين. ونال، فينكو باندوروفيتش (51 سنة)، حكماً بالسجن لمدة 13 سنة بعد تبرئته من تهمة الإبادة. وحصل ميلان غفيرو (73 سنة)، على حكم مخفف بالسجن لمدة خمس سنوات.  وقد روعي في الأحكام الصادرة أعمار المدانين، ليتم اخراجهم من السجن بعد قضاء ثلثي العقوبة المفروضة عليهم، علماً بأن السجن مدى الحياة لا يزيد على عشرين سنة يقضيها المدان في السجن المرفه.
وقال رئيس المحكمة شامل أغيوس إنه «في تموز 1995م وبعد سقوط سريبرينتسا التي كانت تحت حماية الامم المتحدة بعد نزع أسلحة أهلها، قامت القوات الصربية بقتل أكثر من سبعة آلاف نسمة، وهي عملية إبادة واسعة وفق القانون الدولي», وتابع «حتى الآن تم تحديد الحمض النووي لأكثر من خمسة آلاف ضحية من ضحايا سريبرينتسا، ونحن نتوقع أن يرتفع العدد إلى 7.827 ضحية».
في انتظار العدل المطلق: تجدر الإشارة إلى أن محاكمة الضباط الصرب المدانين بارتكاب مجازر جماعية في سريبرينتسا بدأت في تموز 2006م وانتهت في أيلول 2009م، وهي أطول محاكمة شهدتها لاهاي حيث استغرقت 425 يوماً، وشهد فيها 315 شاهداً منهم 182 لصالح الادعاء و132 لصالح الدفاع
الأمان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين