الحياةُ مع القرآن لذة فريدة

في الكلام عن هذه اللذة عليك أن تنخلع عن الماديات أولا، ثم تُركن جانبا مقاييس العقل والمنطق، ولتترك الروح والقلب يتحدثان بلغتهما الخاصة!

كم هي الذكريات التي أستدعيها من الماضي الجميل لألطّف بها أجواء الحاضر الكئيب، غير أن لذكريات القرآن وأهل القرآن، والمناسبات القرآنية طعمًا آخر، ولذةً لا تدانيها لذة، وحياة للروح أكاد أن أطير شوقًا إليها، وقد تعبر العين أحيانًا بعَبراتها عن تلك اللحظات؛ فهي التي تملك الفصاحة والبيان حين يعجز اللسان.

يا ألله

هل بقي نعيمٌ فوق ذلك النعيم ينتظر أهل القرآن؟

أسأل هذا السؤال لأن كلي يقين بأن هذا نعيمٌ عاجل لمن أحسنَ صحبة كتاب الله، تلاوةً، تعلمًا، تعليمًا، إقراءً وسماعًا، وقبل كل ذلك تدبرًا وامتثالًا.

هو الأمر الوحيد الذي لا يمكنك أبدًا أن تستبدل به شيئًا إن ذقت حلاوته، وهو الشيء الفريد الذي كلما زاد وكثر وازدحمت به الأوقات لا يمكن أن تستجدي الراحة ودفع الملل بغيره؛ فهو الراحة وهو السعادة وهو التجديد والتغيير، هو كل شيء.

لي صحابٌ ورفاقٌ من شتى البلدان، لم تربطني بهم سوى علاقة القرآن، أود لقاءهم والجلوس إليهم بحمر النعم وما هو أغلى!

هل لغير القرآن أن يجمع قلبين أو قلوبًا بهذه الطريقة؟ اللهم لا.

فقط

ما أود أن أهمس به في أذني قارئ هذه الكُلَيمة أن إذا أردت فعلا أن تدخل الجنة القرآنية المبكرة هذه، فعليك أن تدوس بقدميك على حظ النفس الدنيوي قدر المستطاع،،

وهنا توضيح في غاية الأهمية لهذا الأمر، وهو أن ذلك لا يعني في حال من الأحوال أن ترفض ما يأتيك مقابل جهدك وبذلك لتعتاش عليه وتأكل وتشرب؛ فهذا لا يقول به عاقل، فإما أن يظل أهل القرآن فقراء متسولين، وإما أن ينقطعوا لحياتهم الخاصة ولا يبقى من يحمل على عاتقه هذه المهمة الجليلة،،

فعلى كل حال

لن يستغنى حامل القرآن عن مقابل أو راتب يتقاضاه ليبقى على قيد الحياة، وهذا حق مكفول ولا خلاف فيه.

غير أن ما أردتُه وأؤكد عليه هو أن تنتزع من قبلك ذلك التطلع للدنيا مقابل كل جهد مع القرآن، بحيث يصل الحال إلى ابتذال كتاب الله، وإخراجه من إطار العبادة وغذاء الروح وتزكية النفس إلى إطار المادة والتأكل والحسابات المشروطة، فلا تتحرك معه إلا بمقابل، ولا تعلَّم أحدا إلا بمقابل، ولا تفكر مجرد تفكير في محاولة الاكتفاء وفتح مجال لخدمة القرآن متجردا، فتحرم نفسك هذا الشعور الروحاني الذي لا تعوض عنه أموال الدنيا!

وهذا الطرح لا يسعه مجرد التأصيل الفقهي، فهو كلام في علوم الروح والنفس والقلب، لا علوم العقل والنقل.

جعلنا الله وإياكم من أهله أهل القرآن حقيقة لا ادعاءً.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين