فهل يا سعد تجمعنا الليالي

إن كان بعض السوريين قد حنَّ إلى وطنه ليعود إلى مزرعته يتنزه فيها أو إلى حيِّه الذي نشأ فيه أو إلى جامعته التي درس فيها، وإن كان بعض الحمصيين على وجه الخصوص يتشوق إلى مسجد خالد بن الوليد ليصلي فيه ركعتين، وبعضهم يتشوق إلى مسجد القاسمي ليصلي خلف شيخه وشيخ مشايخ حمص الشيخ وصفي المسدي، وإن كان البعض الآخر يتشوق إلى مسجد الدعوة مسجد الشيخ عبدالفتاح الدروبي ( جورة الشياح) ليصلي خلف شيخه وشيخ حمص الشيخ عبد الغفار الدروبي، وإن كان بعض الإخوة لا ينسى الشيخ محمود جنيد ودروس مسجد الشيخ كامل رحم الله كل من ذكرتهم ومن لم أذكرهم وهم كثير.

إن كان كل هؤلاء الإخوة قد اشتاقوا إلى تلك المرابع والمجالس العلميَّة فإني أصدقكم أن حنيني منفردا لا يقل عن حنين مجموعهم بل عن حنين كل أهل سورية.

واسمحوا لي ان أكون اليوم بمعيتكم في مسجد النوري الكبير يوم الخميس بعد العشاء وساعة درس شيخ حمص الشيخ محمد علي مشعل رحمه الله حيث حلَّ الشيخ أحمد البربور أبو عبد الله رحمه الله، حلَّ ضيفا على الدرس وشيخه وعلى حمص وأهلها.

والشيخ البربور رحمه الله كان متميزا بذلك الصوت الندي، وبتلك الأناشيد التي تحرك القلوب، بل تهزها ومعها تتحرك الأبدان لما تحمله أناشيده من معاني عالية تحرِّك الصخور الجامدة فضلا عن القلوب والأبدان.

ومهما وصفت لكم تجليات تلك الساعة فلن أوفيها حقها

والشيخ البربور برأيي هو الوحيد الذي كان لا يحتاج إلى فرقة تساعده ولا إلى مزهر أو صنج يدعمه، ولا إلى إذاعة ذات صدى تحسِّن صوته.

هو الوحيد من المنشدين الذي كان قادرا على أن يجعل آلاف الموجودين فرقته ورادوده وأن يحول آلاف المستمعين إلى منشدين معه

ويشهد الله كنا نشعر أنه عندما ينشد وعلى اليرموك تراتيل ... من آي الذكر وتنزيل يجعل المسجد بحجارته وأعمدته ومحرابه ينشد معه.

ولا أنسى يوما كان شيخ مشايخ حمص الداعية الكبير، والقارئ الجامع، والمرشد العظيم الشيخ عبد الغفار الدروبي رحمه الله كان موجودا في الحفلة، وكنت بجواره في محراب المسجد، والجمع قد بلغ به سماع الأناشيد من الشيخ البربور مبلغه من الخشوع والحنين، بل قل والهيام ولما وصل البربور إلى

ولقد يسرنا القرآن للذكر فأين مردده ؟ ويعيدها:فأين مجوِّده ؟ ويعيدها: فأين مرتله؟ والكل يعيدها معها.

وإذا بالشيخ عبد الغفار رحمه الله وهو شيخ القرآن الكريم في حمص، وهو المعروف بهدوئه وثباته وعدم سيطرة الحال عليه إذا به يقفز في الهواء بنشوة لا توصف، وحال لا دعوى فيه ولا تصنع، ويصرخ قائلا: الله الله واصطبغ الجميع مع حال الشيخ بحال صادق مع الله عز وجل.

فاللهم أعدنا وأعد أبناءنا وأحفادنا وأسباطنا وأصهارنا وكل أحبابنا إلى مثل تلك الساعات وتلك الأمكنة يا كريم مع أمن وأمان وسلامة وإسلام.

وما ذلك عليك بعزيز يا أكرم الأكرمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين